تعظيم الله عزّ وجلّ
لتحميل المحاضرة pdf اضغطي هنا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الرحمن
الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله ، إله الأولين والآخرين وقيوم
السماوات والأرضين،
الذي لا فوز إلا في طاعته ولا عز إلا
في التذلل لعظمته، ولا غنى إلا في الإفتقار إلى رحمته، ولا هدى إلا في الإستهداء بنوره،
ولا حياة إلا في رضاه، ولا نعيم إلا في قربه، ولا صلاح للقلب ولا فلاح إلا في
الإخلاص له، وتوحيد حبه..
الذي إذا أطيع شكر، وإذا عصي تاب
وغفر، وإذا دعي أجاب, وإذا عومل أثاب.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،
وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، وسفيره بينه وبين عباده، أرسله الله رحمة
للعالمين، وإماماً للمتقين، وحجة على الخلائق أجمعين.
شرح الله له صدره، ورفع له ذكره،
ووضع عنه وزره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره.
أخواتي:
إن خير ما تربى عليه النفس (نفسي
أنا أولاً) وأربي عليه أبنائي، والمعلمة تربي عليه طالباتها وكل يربي عليه من يعول
هو: تعظيم الله عز وجل في القلوب.
كيف حال القلب لما يمتلئ بتوقير
الله تعالى وتعظيمه واستشعار كبرياءه وجبروته وقدرته مع رحمته سبحانه ولطفه وكرمه.
اليوم بإذن الله ..
لنا وقفات مع بعض الآيات القرآنية
والأحاديث النبوية نتعلم منها كيف أستشعر عظمة الله عز وجل ، وكيف ينعكس ذلك على
جوارحي ثم على عبادتي وسائر سلوكياتي.
ذكر الله تعالى لنا في كتابه أن كل
من حولنا يعيش معظمًا لربه، يقول تعالى: )أَلَمْ
تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ
وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ
وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ
اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ(
كل ما نرى حولنا من دفع النقم وإتيان
النعم؛ يبين لنا عظمة الله سبحانه فلا أحداً أحق من أن يحب بحق ويعظم إلا الله
عزوجل.
لا ينبغي لعاقل يرجو ما عند الله من
النعيم, ويخاف ما عنده من الجحيم, إلا أن ينقاد لربه انقياداً تامًا وأن يوقن أنه
يحب الله حتى لو عصاه،
لو عصيت ربك تعودين لأنك تعظمينه
سبحانه وتخافينه وتوقرينه، والنبي e شبه المؤمن بالفرس المقيد الذي حتى لو أبعد فإنه
يعود )والَّذِينَ
إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ
فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ
يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ(
v
نبدأ مع أول النماذج:
الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف
بن يعقوب بن إبراهيم عليهم السلام، قال تعالى: )وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ
نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ
إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ( امرأة ذات منصب وجمال،
هيئت كل السبل وأغلقت الأبواب، هي ويوسف عليه السلام لوحدهما والله يراهما من فوق
سبع سماوات، سبحانه البصير الرقيب،
علموا أبنائكم أن من أسماء الله
تعالى البصير، الرقيب.
v
ما معنى البصير؟
هو الذي يبصر جميع الموجودات في
عالم الغيب والشهادة، الذي يرى الأشياء كلها ظهرت أو أخفيت، دقت أو عظمت، وهو الذي
يبصر خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
قال السعدي -رحمه الله-
:
"البصير: الذي يبصر كل شيء إن دق وصغر،
فيبصر دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء، ويبصر ما تحت
الأرضين السبع، كما يبصر ما فوق السماوات السبع".
v
ما معنى الرقيب؟
)إِنَّ
اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا( أي المراقب سبحانه، المطلع على أعمال العباد
الذي لا تخفى عليه خافيه.
قال السعدي -رحمه
الله-:
"أي مراقباً للأمور، وعالماً بما إليه
تؤول، وقائماً بتدبيرها على أكمل نظام وأحسن إحكام".
هذه المعاني قامت في نفس نبي الله
يوسف عليه السلام فقال: )مَعَاذَ
اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ(.
v
لنقف هنا وقفات:
أولاً:
أن الاستعانة بالله واللجوء إليه والإستعاذة به والفرار إليه هي من أقوى الأسباب التي
ينجو بها العبد من الفتنة ومن أعظم الأسباب التي يرقى بها العبد ديناً وخلقاً،
يقول تعالى: )وَلَوْلَا
فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا
وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ( من الذي يحفظني
ويحفظ أبنائي وأهل بيتي من الفتن؟
الآن فتن كقطع الليل المظلم، من أول يغلقون
الناس بيوتهم, هنا أغلقوا عليهم عالمهم الصغير مايدخل أحد ولا يطلع أحد، الآن
الولد والبنت على فرشهم وجوالاتهم بين أيديهم إذن العالم كله معهم، ممكن وهي عندك
تسولف مع صديقتها التي في أقصى العالم من الذي يحفظهم؟ رب العالمين سبحانه الحفيظ،
لذلك لا يغتر الإنسان بنفسه، بل ينبغي عليه أن يتهم نفسه دوماً بقلة الهمة وبضعف
الإرادة وأن يستعين بالله عز وجل أن يصرف عنه وعن أهل بيته السوء والفحشاء.
ثانياً:
عدم الإغترار بالنفس والركون إليها .
ماذا قال يوسف عليه السلام: )قَالَ
رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ
عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ(
لا تركنين إلى نفسك، وإلى ما معك من
الدين، لا تقولي أنا أحسن من غيري، أنا محافظة، عيالي ماعليهم أنا مربيتهم،
صحيح هذه أسباب وأسباب مؤثرة وفعالة
بإذن الله ومطلوبة، لكن رددي " ياحي ياقيوم برحمتك أصلح لي شأني كله ولا
تكلني إلى نفسي طرفة عين"
تأملي ماذا يقول ربنا في الذين
اتقوا إذا جاءهم الشيطان وسوّل لهم سوء الأعمال،
قال سبحانه: )وَإِمَّا
يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ
تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ(
الذين اتقوا إذا مر عليهم طيف أو
خاطرة من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون، وكيف يكون التذكر؟ يكون بالإستعاذة بالله
من الشيطان، وبالإستعانة بالله عز وجل.
إذن كلما ازددت معرفة بأسماء الله
سبحانه وصفاته زاد تعظيمك و زادت خشيتك لله.
اقرؤوا في الأسماء والصفات، جميل أن
يكون للأم جلسة أسبوعية مع أبناءها، كل أسبوع شرح اسم من أسماء الله سبحانه..
علميهم أن الله حفيظ سبحانه يحفظهم، لطيف
يقدر لهم ماهو خير لهم في دراستهم وعملهم وسائر أمورهم،
علميهم أن الله سبحانه عليم خبير يعلم ماتكنّه صدورهم إن أصابهم هم أو
مشكلة فهو الأعلم بحالهم فيلجؤون إليه لأنه سبحانه قريب
مجيب سميع، يسمع شكواهم ويعلم ماتكنّ صدورهم،
وهو مع قربه قدير أن يفرج همومهم ويكشف مابهم، علميهم أن الله
سبحانه رقيب على أقوالهم وأعمالهم )مَا
يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ(.
يقول ابن القيم -رحمه
الله- عن منزلة تعظيم الله عز وجل:
"هذه المنزلة تابعة للمعرفة، فعلى قدر
المعرفة يكون تعظيم الرب تعالى في القلب، وأعرف الناس به أشدهم له تعظيمًا وإجلالاً،
وقد ذم الله تعالى من لم يعظمه حق عظمته، ولا عرفه حق معرفته، ولا وصفه حق وصفه
قال تعالى )مَا
لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا
(.
يقول الشيخ الشنقيطي:
"إن الإنسان إذا سمع وصفاً وصف به خالق
السماوات والأرض نفسه، أو وصفه به رسوله: فليملأ صدره من التعظيم، ويجزم بأن ذلك
الوصف بالغ من غايات الكمال والجلال والشرف والعلو ما يقطع جميع علائق أوهام
المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين، فيكون القلب منزهاً ومعظماً له (جلّ وعلا) غير
متجنس بأقذار التشبيه."
v
لنقف مع قول المصطفى e "إن الله حيّي ستير
يحب الحياء والستر"
وصف النبي e ربه عز وجل بالحياء، فما
معنى (حيّي)؟
حياء الله سبحانه لا تدركه الأفهام
ولا تحيطه العقول، فهو حياء كرم وجود وجلال، فإن الله سبحانه وتعالى من رحمته
وكرمه وكمال حلمه يستحي من هتك عبده وفضيحته وإحلال العقوبة به،
ويستحي سبحانه أن يرد من يمد إليه يديه، وهو
سبحانه يحب أهل الحياء. وهو ستير سبحانه، يستر على عباده.
وهنا تنبيه:
لأن بعض الناس يعتقد أن من أسماء الله سبحانه ( الساتر، أو الستّار) فتجدها إذا
حدثت مشكلة قالت يا ساتر، يا ستّار، لا هذا خطأ، أسماء الله تعالى توقيفيه، كما هو
مذهب أهل السنة والجماعة، فلا يسمى سبحانه إلا بما سمى به نفسه، أو سماه به رسوله e.
·
يقول
الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "أسماء الله تعالى توقيفيه لا مجال للعقل فيها،
وعلى هذا فيجب الوقوف فيها على ما جاء به الكتاب والسنة، فلا يزاد فيها ولا ينقص،
لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه الله من الأسماء فوجب الوقوف في ذلك على
النص"
أنا لما أعرف أن من أسماء الله عز
وجل الحيّي الستير، كيف يزيد إيماني بمعرفتي لهذين الاسمين؟
الله سبحانه حيّي يحب الحياء، تخلقي
بهذا الخلق وربي بناتك عليها،
ليش البنت الآن تلبس لبس إذا جلست
قدامك نزلتِ رأسك، تبلشين بعيونك لا جيتي تكلمينها الصدر عاري والأذرع ظاهرة
والركب مكشوفة أين الحياء؟
أين الحياء؟. كل ما كان لبسك ساتر فأنت أجمل,
في الأماكن العامّة علمي بنتك الصوت
المنخفض يدل على رقيّك واحترامك للمكان اللي أنت فيه، ضحكك بصوت عالي، حديثك مع
الرجال بصوت عالي يدل على أنك ما تبالين ولاتهتمين , والبيوت وخارج البيوت عندك
واحد.
علمي نفسك وعلمي من تعولين أن
الحياء والإيمان قرينان إذا وضع أحدهما وضع الآخر وإذا رفع أحدهما رفع الآخر،
قرينان، إخوان... إذا قل حياءك وكان
في ملابس تستحين من لبسها أو أجزاء من جسمك كنت تستحين من أن تظهر أمام النساء
والحين تحسين أن هذا الشيء عادي، فراجعي إيمانك لأنه مقترن بحياءك...
ما الذي أثر في إيمانك ومعلوم أن
الإيمان تنقصه المعصية وتزيده الطاعة، فما هي هذه المعصية التي أثرت فيك؟ ومن أي
باب أُتيت؟
· ومن جميل ما يذكر في قصص الحياء أن فاطمة
رضي الله عنها جلست مع أسماء بنت عميس، وكانت أسماء بنت عميس ممن هاجر إلى الحبشة،
فأخذت أسماء تحدث فاطمة عن مشاهداتها في الحبشة، وفاطمة كان ذهنها مشغول بأمر آخر،
ماهو هذا الأمر؟
قالت فاطمة لأسماء: والله إني
لأستحي أن أخرج غداً (أي إذا مت) على الرجال جسمي من خلال النعش!!
وذهبت فاطمة رضي الله عنها إلى علي
رضي الله عنه قالت: أنشدك بالله أن لا تدفني في وضح النهار.
الآن أسماء بنت عميس أحضرت الحل
لفاطمة قالت: أولا نضع لك شيئاَ رأيته في الحبشة، فصنعت لها النعش المغطى من
جوانبه بما يشبه الصندوق ودعت بجرائد رطبة (سعف النخيل) ثم طرحت على النعش ثوبًا فضفاضًا
واسعًا فكان لا يصف، فلما رأته فاطمه قالت لأسماء: سترك الله كما سترتني.
هذي تحمل هم خروجها وهي ميته،
والبنت الآن بطوعها واختيارها تمشي بين الرجال بعباءة؟
لا.. هذه ما تسمى عباءة، اللي الحين
يلبسونها زينة وألوان وتطريز واللي تسأل الثانية عبايتك حلوه من وين شريتيها.. يا
الله .. العباءة صارت حلوه .. العباءة تستر الحلى، تستر الزينة .. هذه التي أتعبد
لرب العالمين بلبسها، وأكون في عبادة ما دمت مستحضرة النية من ألبسها حتى أخلعها.
الله تعالى (ستّير)، من شأنه سبحانه
أن يظهر الحسن ويستر القبيح، إذا عصاه العبد ثم تاب توبة نصوحًا غفر له، وستر
ماكان منه.
تخلقي بهذا الخلق، إذا أخطأت وحده
في حقك ثم طلبت منك السماح، سامحيها ثم استري عليها ولا تتحدثي بها في كل مجلس.
صفة الستر من أهم صفات الزوجة
المؤمنة.
· القاضي شريح لـقيه صديقه الفضيل بن عياض
فقال له: يا شريح كيف حالك في بيتك؟
قال: منذ عشرين عاماً ما وجدت من
زوجتي ما يعكر صفائي، قال: وكيف ذلك يا شريح؟ قال: خطبت امرأة من أسرة صالحة فلما
كان يوم الزفاف وجدت صلاحاً وكمالاً، يقصد في دينها وكمالاً في خلقها، فصليت شكراً
لله على نعمة الزوجة الصالحة، فلما سلمت من صلاتي وجدت زوجتي تصلي بصلاتي وتسلم
بسلامي وتشكر بشكري، فلما خلا البيت من الأهل والأحباب دنوت منها ،
فقالت لي: على رسلك يا أبا أمية..
وقامت فخطبت، قالت : أما بعد، يا أبا أمية إني امرأة غريبة لا أعرف ما تحب ولا ما
تكره، فقل لي ماتحب حتى آتيه، وما تكره حتى اجتنبه، قال: فألجأتني إلى أن أخطب،
قال: أما بعد أحب كذا وكذا وأكره كذا وكذا.
"عندنا قاعدة:
لا معصية قبل التكليف، تكلِّف، تبيِّن، توضِّح، تحاسِب، ترى حتى مع أبنائك، لا
تعاقبيهم أو تلومينهم على شيء وأنت ما وضحت لهم مسبقاً كيف هو خطأ (حتى مع الصغار)
وماهي عواقب هذا التصرف لو فعلوه.الآن أزواج كثيرون لا ينطقون بكلمة فإذا أخطأت في
ميزانه هو يقيم عليها الدنيا."
هنا القاضي شريح قال: أحب كذا وكذا
وأكره كذا وكذا ثم قال (وهنا الشاهد) ما وجدت من حسنة فانشريها وما وجدت من
سيئة فاستريها.
صفة الستر من أهم صفات المرأة
المسلمة، قالe: (لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر زوجها وهي لا تستغني عنه).
وهذه قاعدة اعمليها مع زوجك ومع كل
من حولك، ما وجدت من حسنة فانشريها وما وجدت من سيئة فاستريها، وتذكري أن من ستر
مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة.
إذن قلنا أن العبد "كلما زادت معرفته بربه زاد تعظيمه له".
v
لنقف الآن مع اسم الله (الجبار):
يقول تعالى: )هُوَ
اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ
الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ
اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (وجاء
في صحيح مسلم عن عبدالله بن عمر أنه قال: سمعت رسول الله e وهو على المنبر يقول: "يأخذ
الجبار سماواته وأرضه بيده، (وقبض بيده فجعل يقبضها ويبسطها)، ثم يقول: أنا
الجبار، أين الجبارون أين المتكبرون"
ما معنى
اسم الله تعالى الجبار؟
الجبار له ثلاث معان:
الأول:
جبر القوة، فهو سبحانه وتعالى الجبار الذي يقهر الجبابرة ويغلبهم بجبروته وعظمته،
فكل جبار وإن عظم فهو تحت قهر الله عزوجل وجبروته في يده وقبضته.
الثاني:
جبر الرحمة، فإنه سبحانه يجبر الضعيف بالغنى والقوة، ويجبر الكسير بالسلامة، ويجبر
المنكسرة قلوبهم بإزالة كسرها، وإحلال الفرج والطمأنينة فيها، وما يحصل لهم من
الثواب والعاقبة الحميدة إذا صبروا على ذلك من أجله.
الثالث:
جبر العلو، فإنه سبحانه فوق خلقه عال عليهم، وهو مع علوه قريب منهم يسمع أقوالهم
ويرى أفعالهم، ويعلم ما توسوس به نفوسهم.
ما أثر الإيمان بهذا
الاسم على قلبي؟
لما أعرف أن الله سبحانه جبار له
العلو وله العظمة وأن لن أصل إليه إلا بعلو همتي وترفعي عن الدنيا.
وكلام أهل العلم عن علو الهمة تقتصر
على طالب الآخرة لا طالب الدنيا، بمعنى أنك إذا وجدت إنسان حاصل على أعلى الشهادات
في علم دنيوي بحيث ليس فيه خدمة لدينه وليس فيه أي قربة لربه، فهذا يسمى نشيط يسمى
مجتهد مثابر،
لكن لا يسمى عالي الهمة، لفظ علو
الهمة عند أهل العلم لا يراد به إلا من علت نيته وتعلقت بالدار الآخرة. فإذا علت
همتك وتعلقت بالله عز وجل، وطار قلبك شوقاً إلى الجنة صارت الدنيا عندك سفاسف.
قال e:
(من كانت الدنيا همه جعل الله فقره في عينه، وشتت عليه أمره، ولم يأت منها إلا
ما كتب له، ومن كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، و أتته
الدنيا وهي راغمة).
وقال عليه الصلاة والسلام : (إن الله يحب معالي الأمور ويكره
سفاسفها).
وأمسك e يوماً
بجدي أسكّ يعني جيفة- أمام الصحابة وقال: (أيكم يأخذ هذه بدرهم؟ قالوا: أهذه
تساوي شيء؟ قال: " للدنيا أهون على الله من هذا عليكم ).
ارتقي بهمتك لتصلي لربك، في الدنيا انظري إلى من هم أقل منك واحمدي
الله على نعمه،
لكن في الدين "لا" انظري إلى من هم أعلى منك ..ونافسي،
الله تعالى يقول: )سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ
آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ
وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ(.
الرسول e كان
يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جمدان فقال: (سيروا هذا جمدان سبق المفردون،
قالوا وما المفردون يا رسول الله ؟ قال: الذاكرون الله كثيرا والذاكرات)
يعني سبقوا إلى الدرجات العلى . واسألي الله التوفيق والإعانة على
طاعته ,
فما نزل شيء من السماء أعظم من التوفيق، ولا صعد شيء إلى السماء أعظم
من الإخلاص، وبقدر الإخلاص يكون التوفيق.
إذا علمت أن سبحانه جبار يجبر قلوب المنكسرين ... فانطرحي ساجدة بين
يديه واطلبي منه أن يجبر كسرك ويفرج همك و يغيثك ،
كنت تؤملين في حياتك الزوجية آمالًا فانكسرت قولي يا جبار اجبر كسري،
ربيتِ أبناءك وتعبت وسهرت الليالي وعلقت آمالاً ثم كبروا وأبعدوا عنك
قولي يا جبار اجبر كسري.
النبي e كان
يقول بين السجدتين" اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني واهدني وعافني
وارزقني".
وكان e يقول
في ركوعه " سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة " لأن هذا مقام
ذل وافتقار لله سبحانه وتعالى.
تأملي كيف جبر الله كسر أم موسى عليه السلام لما كان فرعون يبحث عن
المواليد الذكور لكي يقتلهم، أوحى الله إلى أم موسى )وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ
أَرْضِعِيهِ(
أولاً: بدأ بالإرضاع فتعلقت به اكثر ثم قال تعالى )فَإِذَا
خِفْتِ عَلَيْهِ( ما قال
فخبئيه،
قال سبحانه )فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ( كيف قلب أم موسى وهي تتلقى هذا الوحي،
الآن تخيلوا الموقف طفل رضيع ترضعه أمه فإذا شبع وارتوى أخذته وألقته
في الماء، لكن الجبار وعدها بأن يجبر كسرها فقال )وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ
وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ(
وفعلاً سبحانه قوله الحق )فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ
وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(
v
لنقف مع اسم الله
تعالى "العفو" :
ونحن قلنا أنه كلما زادت معرفة العبد بربه زاد تعظيمه له،
يقول تعالى: )إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ
تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا(
وقال تعالى: )ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ
بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ(
العفو سبحانه: هو الذي يمحي السيئات، ويتجاوز عن المعاصي، وهو قريب من
اسم الله الغفور لكنه أبلغ منه:
لأن الغفران ينبئ عن
الستر ، والعفو ينبئ عن المحو ، والمحو أبلغ من الستر.
الآن لو أخذنا قصة يوسف عليه السلام كمثال، عندما التقى بإخوته الذين
كادوا له وهو صغير وألقوه في غيابت الجب، وأرادوا له أن يموت ماذا قال لهم
حين التقى بهم )قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ
يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ( "هذه مغفرة"..
لكن عندما قال الله عزوجل: )وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا
وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي
حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ
الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ
رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ(
وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن، ولم يقل لهم من الجب، الآن هل غفر
لهم أم عفا؟ "لقد عفا".
لأنه ما أراد أن يذكرهم بالعمل.. محا العمل.. هذا معنى العفو، ولله
المثل الأعلى سبحانه.
كيف
أتخلق أنا بهذا الخلق؟
يقول تعالى: )وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا
السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ
وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ *وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا
الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ(
من أوتي هذا الحظ العظيم فليحمد
الله كثيرا، سبحان الله الإنسان عندما يعفو عن أخيه يملأ الله قلبه أمنًا وإيمانًا،
وراحة وطمأنينة،
إذا عفوت عن أختك فأنت ربحتيها،
ولأن تربحي أختا لك خير من أن تربحي الدنيا بما فيها.
النبي e لما أمر بقتل جماعة أساؤوا
إلى دين الإسلام إساءة ما أساءها أحد, ومنهم عكرمة بن أبي جهل وتعلمون من هو أبو
جهل، جاء عكرمة مسلمًا تائباً مستغفرًا، فقالe : (جاءكم عكرمة مسلماً،
فإياكم أن تسبوا أباه فإن سب الميت يؤذي الحي، ولا يبلغ الميت).
v
نقف الآن مع اسم من أسماء الله نردده كثيرًا:
بل إن بعضنا ممكن يتردد هذا الاسم
على لسانها يوميًا )قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ(
ما معنى الصمد؟
الصمد الذي يصمد إليه في الحوائج،
أي يقصد إليه في تلبية الحوائج .
الآن .. أنت لو كان لك حاجة
تريدينها من أمر الدنيا أو أمر الآخرة .. عندك مشكلة .. عندك ضائقة.. هم معين ..
ممن تطلبين الحل؟ من القوي سبحانه لأن غيره ضعيف، من الغني سبحانه لأن غيره فقير،
من العزيز سبحانه لأن غيره ذليل، من القادر سبحانه لأن غيره عاجز.
هذه المعاني كلها يجمعها اسم الله
سبحانه " الصمد" السيد الذي له الكمال المطلق فتصمد إليه وتقصده الخلائق
في حاجتها.
فكأني حينما أقرأ سورة الإخلاص
وأعلمها أطفالي الصغار أتذكر وأذكرهم أن يطلبوا من الصمد سبحانه ما يريدون ، لأنه
له الكمال المطلق في كل شيء، وهو الكامل سبحانه في جميع صفاته وأفعاله، لا نقص فيه
بوجه من الوجوه.
فالأثر الأول
لهذا الاسم على حياتي: أن أعلم أن أموري كلها لن يقضي فيها غيره سبحانه, فيارب
أنزلت حوائجي عند بابك فلا تردني خائبة.
الأمر الآخر:
كيف ينعكس أثر هذا الاسم على علاقتي بغيري؟
اعلمي أن الله سبحانه إذا أحب عبد
جعل حوائج الناس إليه، فلا تملين أبداً إذا أقبل الناس عليك، لا تضجرين إذا طرق
بابك كثيراً، اعلمي أن من أعظم نعم الله عليك أن يجعل حوائج الناس إليك (أحب
الناس إلى الله أنفعهم للناس)
إذن عرفنا أن تعظيمك لربك قائم على
معرفتك به سبحانه..
في المقابل من لم يعرف الله ولا
خالط قلبه تعظيم الله عز وجل يهون عليه أمر ربه..
اسمعوا ماذا يقول ابن
القيم -رحمه الله-:
"لم يقدره حق قدره من هان عليه
أمره فعصاه، ونهيه فارتكبه، وحقّه فضيّعه، وذكره فأهمله،
وغفل قلبه عنه، وكان هواه آثر عنده
من طلب رضاه، وطاعة المخلوق أهم عنده من طاعته,
فلله الفضلة في قلبه وعمله، وسواه
المقدَّم في ذلك لأنه المهم عنده ،
يستخف بنظر الله إليه وإطّلاعه عليه,
وهو في قبضته، وناصيته بيده، ويعظِّم نظر المخلوق إليه واطلاعه عليه بكل قلبه
وجوارحه، يستحي من الناس ولا يستحي من الله، ويخشى الناس ولا يخشى الله، ويعامل
الخلق بأفضل ما يقدر عليه، وإن عامل الله عامله بأهون ما عنده وأحقره،
وإن قام في خدمة من يحبه من البشر
قام بالجد والاجتهاد وبذل النصيحة ، وقد فرغ له قلبه وجوارحه وقدمه على كثير من
مصالحه،
حتى إذا قام في حق ربه قام قياماً
لا يرضاه مخلوق من مخلوق مثله، وبذل له من ماله ما يستحي أن يوجه به مخلوق مثله!!
فهل قدر الله حق قدره
من هذا وصفه ؟!!"
أسأل
الله أن يجعلني وإياكم ممن يستعمله في طاعته
اللهم
اجعلنا ممن عرفك حق المعرفة، وممن عبدك حق عبادتك ... اللهم اعمر قلوبنا بتعظيمك
وزينها بالإيمان.
اللهم
إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، اللهم اجعلنا أفقر خلقك إليك، وأغنى خلقك بك.
اللهم
حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من
الراشدين .
اللهم
اجهلنا هداة مهتدين، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين
إمامًا
رب
اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء.
ربنا
آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وصلِّ
اللهمّ وسلّم على نبينا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين.