أبناؤنا والعقيدة

لتحميل المحاضرة pdf اضغطي هنا

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

حياكم الله أخواتي وجعل لكم بكل خطوة خطوتموها  إلى هنا أعظم الدرجات..

اللهم اجعل مجلسنا هذا شاهداً لنا يوم لقائك , اللهم اجعلنا جميعاً ممن يقال لهم في ختام هذا المجلس قوموا مغفوراً لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات ,

اللهم أجب لكل واحدة منا رجاها.. وحقق لكل واحدة منّا مناها.. اللهم أصلح لكل واحدة منّا أهلها وزوجها وذريتها

اللهم لا تجعل لنا في مجلسنا هذا هماً إلا فرَّجته, ولا غمّاً إلا كشفته, ولا مريضاً إلا شفيته, ولا ديناً إلا قضيته, ولا مبتلى إلا عافيته, ولا أسيراً إلا فككت أسره, ولا غائباً إلا رددته, ولا حاجة من حوائج الدنيا والآخرة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا أعنتنا على قضائها ويسّرتها لنا يارب العالمين..

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير .. واجعل الموت راحة لنا من كل شر وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة ...اللهم آمين .



موضوعنا اليوم بإّذن الله لاشك أنه يؤرق كل أم وكل مربٍّ حريص يخاف الله فيما استرعاه من أبناء

وهو:

كيف أغرس العقيدة السليمة في نفوس أبنائي ؟

وكيف أحصنهم بـ(لا إله إلا الله) ليواجهوا تحديات شركيات العصر الحديث؟

ما مدى حاجتنا لمثل هذا الموضوع؟ وهل فعلاً ظهرت شركيات و خوادش عقدية تؤثر على أبنائي الذين تربوا ولله الحمد في بيئة توحيد صافية؟

سمعتم بدورات البرمجة العصبية, والحرية النفسية, ومخاطبة اللاوعي, والإسترخاء, والتحليق بالروح والتحكم بها, وقرص الطاقة الحيوي وأسورة الطاقة,

هذه كلها تُقدَّم لأبنائنا اليوم على شكل دورات ودروس ومحاضرات وأحياناً مواضيع يتجاذبونها مع أصدقائهم, يستغلِّون فيها ويدغدون مشاعر الرغبة في التطور والنجاح والسعادة...

يخدشون بها أهم ما يملكون وهي (العقيــدة).

لا أنسى إحدى الأمهات قالت لي:

 أن طفلها في الصف الثالث ابتدائي أحضر لها إسورة مطاطية يلبسها وهو نائم.. لماذا؟ يقول: تحفظني (طبعاً قُدِّمت له على أنها تحفظ التوازن) لكن الطفل يقول تحفظني حتى لا أسقط من على السرير وأنا نائم!!!.

لنعد الآن ونبدأ مع الطفل من صغره..

يقول الإمام الغزالي:

"الصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة, خالية من كل نقش وصورة وهو قابل لكل ما نقش, ومائل إلى كل ما يمال به إليه, فإن عوِّد الخير و عُلِّمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة أبواه وكل معلِّم له ومؤدِّب, و إن عوِّد الشر واُهمل إهمال البهائم شقي وهلك, وكان الوزر في رقبة القيِّم عليه والوالي له" يقول صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه يهوّدانه أو يمجّسانه أو ينصّرانه).


لذلك نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يحمّل الوالدين مسؤولية تربية الأبناء مسؤولية كاملة, فعن ابن عمر-رضي الله عنهما- قال :سمعت رسول الله e يقول : (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).



وقد أكّد ابن القيم رحمه الله هذه المسؤولية وتكلّم كلاماً مفيداً نافعاً فقال :

 "قال بعض أهل العلم إن الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده يوم القيامة قبل أن يسأل الولد عن والده, فإنه كما أن للأب على ابنه حقاً فللابن على أبيه حقاً كما قال تعالى : )وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا( وقال: )قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ(."

 و إذا تأملنا صفحات القرآن نجد أن الرسل والأنبياء عليهم السلام يعتنون عناية كبيرة بسلامة عقيدة أبنائهم:

-      فمن ذلك : )وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(

-      وهذا لقمان يرعى ابنه فيوصيه : )يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ(

-      ونلاحظ أن سورة الإخلاص التي تمثل الإعتقاد العقلي, وسورة الكافرون التي تمثل الإعتقاد العملي:

 هما من قصار السور القرآنية التي تتحدث عن العقيدة وهي سهلة الحفظ على الأطفال الذين يتميز نفسهم بالقصر.

-      وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نطق الطفل من بني عبد المطلب علّمه آخر آية في الإسراء وتسمى آية العزّ, )وقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا( علّموها صغاركم.

 ونلاحظ اهتمام الإسلام بتربية الأطفال على عقيدة التوحيد منذ نعومة أظفارهم:

- ومن هنا جاء استحباب التأذين في أذن المولود وسر التأذين –والله أعلم- أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلمات التوحيد والشهادة المتضمنة لكبرياء الله عزوجل وعظمته, فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند مجيئه إلى الدنيا كما يلقّن كلمة التوحيد عند خروجه منها.

- كذلك من اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالأطفال أنه كان يدعوهم للإسلام دائماً، حتى أنه في زيارته عليه الصلاة والسلام وعيادته للأطفال والمرضى كان يدعوهم للإسلام وبحضور آبائهم (رحمة المصطفى عليه السلام)

-روى الإمام عبدالرزاق في مصنفه أن النبي صلى الله عليه وسلمكان له جار يهودي لابأس في خلقه فمرض فعاده النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه, فقال : أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ؟ ,فنظر إلى أبيه فسكت أبوه وسكت الفتى, ثم الثانية, ثم الثالثة, فقال أبوه في الثالثة: قل ما قال لك ففعل فمات, فأرادت اليهود أن تليه, فقال صلى الله عليه وسلم : "نحن أولى به منكم" فغسَّله رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفَّنه وحنَّطه وصلّى عليه.

-أم سليم الرميصاء , (أم أنس بن مالك خادم الرسول صلى الله عليه وسلم) أسلمت وكان زوجها لا يزال مشركاً وكان أنس لا يزال صغيراً "لم يفطم بعد", فجعلت تلقِّن أنساً قل "لا إله إلا الله" ففعل , فيقول لها أبوه : لاتفسدي علي ابني , فتقول "إني لا أفسده".


نأتي الآن:  كيف أقدّم هذه العقيدة إلى أبنائي؟ كيف أبدأ معهم؟

العقيدة الإسلامية الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء خيره وشره من الله تعالى.. هذه العقيدة تتميز بأنها كلها غيب.

يحار المرء كيف يقدمها للطفل؟

وكيف سيتعامل معها هذا الطفل؟

وكيف سيكون تصوّره داخلياً عنها؟

وكيف يمكن تبسيطها وعرضها عليهم؟

  ولكن من خلال تعامل الرسول eمع الأطفال نجد خمسة أركان أساسية في تثبيت هذه العقيدة:

الأساس لأول: تلقين الطفل كلمة التوحيد.

الأساس الثاني: ترسيخ حب الله تعالى.

الأساس الثالث: ترسيخ حب النبي صلى الله عليه وسلم.

الأساس الرابع: تعليم الطفل القرآن الكريم

الأساس الخامس: ثبات الطفل على عقيدته أمام كل ما يواجهه.


ومن فقه الأولويات: "البدء بتعليم التوحيد قبل غيره للصغار والكبار" :

عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : "كنا نتعلم الإيمان قبل القرآن", وعن جندب البجلي قال: "كنا ونحن فتيان مع رسول الله صلى الله عليه وسلمتعلمنا الإيمان ولم نتعلم القرآن ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا".


ومن أفضل طرق تعليم العقيدة للأطفال: "طريقة السؤال والجواب"

"أتت جارية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها: (أين الله؟ قالت: في السماء , قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله,  قال : أعتقها فإنها مؤمنة)

يُسأل الطفل من صغره:

-      من ربك؟ مادينك؟ من نبيك؟

-      ما معنى شهادة أن لا إله إلا الله ؟ لا معبود بحق إلا الله

-      ما معنى شهادة أن محمداً رسول الله؟ طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب مانهى عنه و زجر وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.

ولنقف قليلاً عند هذه النقطة لأنها مهمة : "أن لا يعبد الله إلا بما شرع"

هذه النقطة ضروري أن يفهم معناها الطفل إذا أقبل على سن العبادة يعني من السابعة تقريباً,

أي عبادة لم يفعلها الرسول صلى الله عليه وسلم وليست على نهجه لا أفعلها .. الدين كامل لا تبتكر عبادة من عندك.

عن سلمان رضي الله عنه قال: قيل له : (قد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة قال: أجل " نهانا أن نستقبل القبلة بغائط أو ببول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن يستنجي أحدنا بأقل من ثلاث أحجار، أو أن يستنجي برجيع أو بعظم)

تأملوا دقة الدين, علموا أطفالكم أن الدين كامل كل شيء عندنا له منهج:

-      نجحت, فزت في مسابقة .... اسجد سجود شكر

عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم:(أنه كان إذا جاءه أمر سرور أو بُشِّر به خرّ ساجداً شاكراً لله).

- عندك اختبار مادة صعبة وماتدري كيف تذاكرها, عندك مشكلة معينة, ضاع شيء من أغراضك ... صل ركعتين واسأل الله التيسير.. كان النبي صلى الله عليه وسلم(إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة).

- في السفر: ذكر في الذهاب وذكر في العودة (كان إذا صعد شرفاً كبّر و إذا نزل منخفضاً سبّح).

-في الأكل: آداب للأكل وأذكار ,

- للنوم, للباس, لبس الثوب الجديد, طريقة اللبس, طريقة الانتعال, تمشيط الشعر: "يبدأ باليمين" قالت عائشة رضي الله عنها: "(كان عليه الصلاة والسلام يعجبه التيمن في تنعله وفي ترجله وفي طهوره وفي شأنه كله).

الدين كامل.. لا تبتدع من عندك صلاة أو صيام أو ذكر لم يرد أو عيداً ...

يقول صلى الله عليه وسلم: (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك)

ولذلك البدع هي شر من المعاصي الكبار, والشيطان يفرح بها أكثر مما يفرح بالمعاصي الكبيرة:

لأن العاصي يفعل المعصية وهو يعلم أنها معصية فيتوب منها. أما المبتدع فيعتقدها دين يتقرب به إلى الله فلا يتوب منها,  فلذلك يا بُنيّ لتكن عباداتك كلها اتباع وليس ابتداع.



كذلك... من الأسئلة التي توجه للطفل: - لماذا خلقنا الله؟

لعبادته , الدليل: )وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ(

أنا وأنت وأختك وأخوك وجميع أصدقائك خلقنا الله حتى نعبده, نصلي ونصوم ونذكر الله ونطيع والدينا ونتصدق ونساعد ونتعاون ونبتسم ونميط الأذى عن الطريق ونطعم الحيوانات  "هذه كلها عبادات"

علميهم أن يحوّلوا عاداتهم إلى عبادات.. المؤمن الفطن عاداته عبادات, أما غيره فللأسف عباداته صارت عادات لأنه يؤديها بلا روح بلا استشعار واستحضار نيّة.

علميهم شرط قبول العمل، شرطان: "الإخلاص، الاتباع".

أن ترجو بعملك ثواب الله وحده، وأن يكون له أصل من كتاب أو سنة كما تحدثنا قبل قليل عن الإتِّباع.

-ما هو الإيمان ؟ يعرفونه في الابتدائي أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.

-كيف أتكلم مع الأطفال عن الملائكة؟ الملائكة جند الله يأتمرون بأمره ولا يعصونه أبدا، يوجد في العالم مخلوقات كثيرة لا نعرفها، يعرفها الله عز وجل، يوجد نجوم في السماء كواكب، كائنات داخل البحار، مخلوقات كثيرة لا نراها..

من بينها الملائكة، ولها أعمال من بين أعمالهم:

حفظ الإنسان بأمر الله عز وجل: )إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ(

كتابة ما يعمله الإنسان: )مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ(

ملك موكل بكتابة الحسنات وملك موكل بكتابة السيئات ، كل أعمالك مكتوبة، علمي أبناءك )فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ(

-      أيضا في الحديث عن اليوم الآخر: لما يسمعون عن الصراط والميزان وتطاير الصحف والأهوال في ذلك اليوم .. هذه الأمور تبعث في نفس الطفل الخوف،

ولذلك أرى أن يكون تعليمهم في البداية مقتصرا على أن الجنة للمؤمن والنار للكافر، وانتبهي من تخويف الطفل بالنار، الطفل ما يخوف بالنار، وإنما يعظم في نفسه أمر ألا وهو أن الله يراه،

فاحذر أن يراك الله وأنت تعصيه..

قال لك صليت، وأنت متأكده تمامًا أنه ما صلى ، قولي له : أنا أثق فيك وما تعودت منك الكذب، وقد رآك الله ورأى صلاتك .... هنا تزرعين فيه مراقبة الله عز وجل.

طيب وإذا سمع عن أهوال اليوم الآخر نبّهيه على أمر مهم:

أن الله تعالى قال عن المؤمنين )أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ(  وقال كذلك )وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ(

إذن المؤمن بإيمانه يثبته الله عز وجل.



-      الإيمان بالقضاء والقدر : ما أجمل أن يفهم الطفل قول المصطفى عليه السلام الذي قاله لابن عباس رضي الله عنه وكان طفلاً: (اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف).

وفي رواية : (اعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك).

جميل أن يعلّم الطفل إذا فاته شيء أن يقول : قدر الله وما شاء فعل، هنا يعيش استقرار نفسي واطمئنان إلى قدر الله عز وجل.

-     بعد تعليم الطفل الإيمان يُعلّم أيضاً الإسلام وأركان الإسلام,

وأن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام و أن من لا يؤديها فإنه يكفر, حتى لا يخرج لنا جيل يجادل في أمر الصلاة, وقد وجد للأسف الأن من يرى أنها أمر خاص بين العبد وربه,

وأن تاركها لا يصل إلى حد الكفر ! هذا للأسف مما دخل على بعض شباب المسلمين وما ذلك إلا لأن الصلاة ما قامت في قلوبهم مقاماً عظيماً.

ثم يعلّم الولد أن الرجل مكانه المسجد وأن الصلاة في البيت للنساء, لكن السنن يؤديها في بيته, وأهمية الخشوع في الصلاة وفرصة الدعاء فيها, وطلب الحاجات من الله عز وجل.

-     ثم نأتي إلى تعليم الطفل الإحسان,

وهو أمر عظيم إن منَّ الله على أبناءك ببلوغ رتبة الإحسان فقد تفضّل عليك سبحانه تفضلاً عظيماً, لأنه سيكون رادع لهم عن كثير من المهاوي والمزالق... أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.. اللهم اعمر قلوبنا وذرياتنا بالإحسان، الله يراني... الله معي... الله ناظري.

كان ابن عمر في سفر فرأى غلاماً يرعى غنماً فقال له: تبيع من هذه الغنم واحدة؟ فقال: إنها

ليست لي , فقال: قل لصاحبها: إن الذئب أخذ منها واحدة، فقال العبد: فأين الله؟.

فكان ابن عمر يقول بعد ذلك إلى مدة مقالة العبد: (فأين الله).

وكان لبعض المشايخ تلامذة فكان يخص واحداً منهم بإقباله عليه أكثر مما يقبل على غيره,

فقالوا له في ذلك, فقال: أُبيّن لكم, فدفع إلى كل واحد من تلامذته طائراً وقال له: اذبحه بحيث لا يراك أحد, و دفع إلى هذا أيضاً.. فمضوا ورجع كل منهم وقد ذبح طائره, وجاء هذا بالطائر حياً,

فقال: هلّا ذبحته؟ فقال: أمرتني أن أذبحه بحيث لا يراه أحد ولم أجد موضعاً لا يراه فيه أحد.

فقال: (لهذا أخصّه بإقبالي).



 إذا نشؤوا على تعظيم الله عز وجل واستشعار نظر الله إليهم, وفهموا معنى قوله تعالى : )وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ( فهذا سيكون -بإذن الله- حصناً حصيناً لهم.

لأنك ما تستطيعين أن تكوني دائماً معهم بمراقبتك وتوجيهاتك, لأن البنت والولد في غرفهم العالم كله بين أيديهم, على كفوفهم. تقدرين تجلسين مع أبنائك كل ما فتحوا الجهاز ؟ علِّميهم أن الله يراهم وعظمي ذلك في قلوبهم

اقرئي عليهم : )إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا(.



ولذلك: (التأصيل أسهل من التغيير) تأصيل العقيدة الصحيحة في نفوس الأطفال أسهل من تغيير إنحرافهم العقدي إذا كبروا.




  اربطي المواقف والأحداث التي تمرّ في حياة طفلك بالعقيدة.

مثال: إذا مرض نعلّمه الدعاء وحسن الظن بالله والرقية وأن يطلب الشفاء من الله و أن كل مايراه من طبيب وعلاج هو سبب ,

اشرب الدواء حتى تطيب (لا)!   اشرب الدواء حتى يشفيك الله.

الربط أمر دقيق جداً... تقع أحداث هناك من يربطها ربطاً أرضياً أما المؤمن يربطها ربطاً توحيدياً

المؤمن لا يفهم ما يجري بعيداً عن الله عزوجل,

لايفهم الأحداث الكبرى على أنها وقعت بإرادات أرضية أو إرادات بشرية,

لا يفهمها إلا أنها وقعت بإرادة الله سبحانه المدبِّر )يُدَبِّرُ الْأَمْرَ(كل ما يجري في الكون يجري بحكمة وبعدل وبعلم وبرحمة قد ندركها وقد لا ندركها.

مثلاً: يكون هناك جفاف ببلد ثم تأتي الأمطار, الكثير يربطها بالمنخفضات وبنشرة الأخبار وأن هناك خطوط مطر... هذا كله صحيح لكن المؤمن يربط الأمطار برحمة الله وبفضله ويراها إمداداً من الله عز وجل.

المربي الناجح: يربط الجزئيات بالكليات, أصبح الطفل الآن في فهم عميق لما يجري في الكون.

أما المربي غير الناجح: فيربط الأحداث ربطاً بحتاً بالأسباب الأرضية فيحار الطفل ويتشتت ...

لماذا هنا حرب؟ وهنا غبار؟ وهنا طبيعة خضراء؟ وهنا جفاف؟ وهنا بحار؟ وهنا قحط؟ ...ربط الحوادث بإرادة الله وحكمته وعدله يبعث الطمأنينة والاستقرار النفسي عند أطفالنا.

وللأسف أننا نشاهد الأن هجمة شرسة على عقيدة أطفالنا من خلال بعض أفلام الكرتون ولقد شاهدنا الشرك الأكبر مرات عديدة وبعض الأطفال يقع فيه دون فهم.

ومن مظاهر الشرك الأكبر المتعدد صرف عبادة الدعاء لغير الله تعالى, وطلب تحقيق الأمنيات من الجن والسحرة, والإستغاثة ونداء شخصيات الأفلام نداء طلب وحاجة... ومن يجلس مع أطفاله حال مشاهدتهم يجد من ذلك الكثير.

وفي وقتنا الآن قد ازداد حجم البيوت وكثر عدد الغرف وازدادت المسؤوليات الحياتية العامة لتدبير شؤون المنزل, وانشغل الوالدان وتوزّع الأبناء في الغرف وكونوا خصوصيات مستقلة وعوالم خاصة...

وبدأ الفكر العقدي الوافد ينهش في عقيدة البعض ممن أساسه عقدياً هشّ وضعيف.


لنأخذ نماذج من هذا الفكر:

·      عبادة السجود: السجود شرعة دينية و عبودية لله عز وجل, فيها تذلل وعبود وانكسار وضعف

وفقر حيث يكون العبد أقرب ما يكون إلى الله عزوجل.

أثبت العلم الحديث أن للسجود فوائد صحية مثل: تدفق الجم إلى الدماغ وأطراف الجسد الذي تستلزمه وضعية السجود وغير ذلك, لا بأس بمثل هذا ويأتي تابعاً.

والأصل ما ذكرناه عن عظم السجود كعبادة.

يزعم اليوم مروجو فكر الطاقة أن السجود يخلصنا من طاقات سلبية تتجمع في رؤوسنا خلال اليوم

من خلال استعمال الأجهزة ومن المشاعر المتراكمة جرّاء مواقف الحياة المختلفة من خوف وحزن واضطراب.

يقولون: أننا يجب أن نسجد على الأرض مباشرة أو على شيء من جنسها من تراب أو حجر أو غيره ليحقق السجود أثره.. وتتناغم أعضاء السجود مع الأرض فتفرّغ الطاقة السلبية في الأرض

وتدخل بدلاً عنها طاقة إيجابية !!!

وهذا موافق لما يعتقده أهل الأديان الوثنية المتمحورة حول الأرض من أن للأرض روح عظيمة وطاقة اسمها (جيا) وهذه الطاقة تؤثر في الإنسان وتمنحه الصحة والسكينة وتخلصه من الأمراض!

-      الله تعالى يقول )وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ( عبداً طائعاً ذليلاً محباً.

-      وعبّاد الأرض يقولون: اسجد واستمد الطاقة والقوة والسكينة.

سبحان الله.. يقول الله سبحانه في الحديث القدسي : (أنا أغنى الأغنياء عن الشرك من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)

ولا تستغربي إذا وجدتِ من يصدّق هذا ويسجد في غير صلاة وإلى غير القبلة مطيلاً السجود ساكناً يستمد من الأرض الطاقة الإيجابية... والله المستعان.




كذلك مما انتشر كثيراً :

·      قانون الجذب:  

وكثر المنادون له وبعضهم زخرفه فقدّمه على أنه قائم على حسن الظن بالله.

وله أشكال كثيرة منها ما يستدعي استرخاء وإطفاء للأنوار, إبقاء إضاءة خفيفة أو شموع, إرخاء الجسد وتركيز التفكير في أمر واحد لاستجلابه وأنه قادر على عمل ما يفكر فيه, ويلحقه تمارين للاسترخاء مماثلة لتمارين اليوغا, وتوقف عن أكل اللحوم حتى لا تنتقل لحم طاقة الحيوان الميت السلبية, وبعضهم يشترط تشغيل موسيقى هادئة خلال التمارين.

أي قلب معلّق بالله هنا؟

منهج الإسلام ومنهج قانون الجذب متضادان تماماً في حقيقة الأمر,

منهج الإسلام: يقتضي أن يستشعر الإنسان فقره وحاجته وضعفه, وغنى ربه وملكه وقدرته ورحمته و قربه ممن دعاه فيطيعه و يدعوه ويتوسل إليه, ويظل خائفاً راجياً محباً منطرحاً متذللاً، فإن تحقق مطلوبه شكر واستمر داعياً حامداً ذاكراً وإن لم يتحقق صبر واحتسب , وبين هذا وذاك هو يستخير الله مفتقراً إلى تسديده واختياره, يرجو توفيقه ويثق برحمته وحكمته ويرضى بحكمه.

بينما منهج قانون الجذب: يقتضي أن يستشعر الإنسان قوته وقدرته غير المتناهية, ويشعر أن الكون خاضع لأفكاره ثم يستحضر مطالبه وأمانيه ثم يرسل بقوة تفكيره إليها ذبذبات الجذب فيحصل عليها وإن أخفق.. يُعيد المحاولة بقوة نفَس أكبر فشتان بين المنهجين..



·      وعلى هذا فقيسي إسورة الطاقة:

 التي يزعمون أنها تعطي التوازن للجسم وتمده بالطاقة والقوة ,

وغيرها من الأباطيل التي خدشوا بها عبادات قلبية كبيرة مثل التوكل و الإستعانة بالله و تفويض الحال إليه, والبراءة من قوة النفس وحولها  )يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ(



(ولمن أرادت الاستزادة في معرفة أباطيل الفكر الوافد فلتقرأ مقالات الدكتورة فوز كردي جزاها الله خيراً ففيها خيرٌ كثير).



                    


اللهمّ يا حيّ يا قيّوم يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد يامن لم تلد ولم تولد ولم يكن لك كفواً أحد,

اللهمّ إنّا نعوذ بك من أن نشرك بك ونحن نعلم و نستغفرك لما لا نعلم,

ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما,

رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء,

رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي أن أعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين,

ربنا أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه,

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار,


وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.