مفاتح الخير
لتحميل المحاضرة pdf اضغطي هنا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله.. الحمد لله الذي أتم النعمة.. وأولى المنة.. له الحمد في الأولى والآخرة ..
اللهم لك الحمد حتى ترضى.. ولك الحمد إذا رضيت
.. ولك الحمد بعد الرضا..
الحمد
لله سابق الفضل والمنّ والجود والكرم.. تعالى رباً وتقدس إلَهاً..
علم
هواجس الصدور وما تخفي.. وعلم ظواهر الأمور وما تبدي.. كل سرّ عنده علانية.. وكل
غيب عنده شهادة.. فلم يستتر عنه شيء.. ولم يشغله شيء عن شيء..
والصلاة
والسلام على خير الأنام .. وإمام كل إمام.. نبينا محمد عليه الصلاة والسلام ...
أما
بعد.. أخواتي.. أسأل الله بمنه وكرمه أن يكتب لكن
بكل خطوة خطوتموها إلى هذا المسجد عظيم الحسنات.. وأن يرفعكن بها عالي الدرجات..
وأن يجعل أعمالنا وأقوالنا ونياتنا خالصة لوجهه الكريم.. وأن يجعلنا ممن يقال لهم
في نهاية هذا المجلس قوموا مغفوراً لكم .. قد بدّلت سيئاتكم حسنات..
سبحان
الشكور .. تجلسين في مجلس يذكر فيه الله تعالى
ساعة أو أقل ثم تقومين وقد غفر لكِ.. ليس فقط غفران الذنوب .. وإنما أيضاً السيئة
تبّدل مكانها حسنة..
شكور
سبحانه يعطي على العمل القليل.. الأجر العظيم .. ونحن أحوج ما نكون إلى هذا .. لأن
أمتنا هي أقصر الأمم أعماراً.. لكن الله بمنه وفضله وكرمه عوضها بأن يجعل لهذه
الأمة الكثير من الأعمال الصالحة والمواسم الفاضلة.. التي يستكثرون فيها من الخير،
فيبارك الله في أعمارهم، فكأنهم إن عملوها رزقوا أعماراً كثيرة..
ولهذا .. حرص الصحابة (ولنا فيهم قدوة) .. حرصوا
على تتبع هذه الكنوز من الأعمال ..
والبحث
عن مفاتح الخير.. التي تثقل ميزانهم ..
وتقربهم من مولاهم..
فهذا
أحدهم يقول: (يا رسول الله دلني على عمل يدخلني
الجنة ويباعدني عن النار).
والآخر
يقول: (دلني على عمل إذا عملته أحبني الله
وأحبني الناس)..
وفي
حديث ابن عمر رضي الله عنهما (أن رجلاً جاء إلى
النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى
الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله
سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه ديناً أو تطرد عنه جوعاً، ولأن
أمشي مع أخي المسلم في حاجته أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهراً، ومن كف غضبه
ستر الله عورته، ومن كظم غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضا يوم
القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم
تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل)
إذن
.. هذا يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أحب الأعمال إلى الله تعالى ليعملها..
ويسأل
عن أحب الناس إلى الله.. لماذا؟ عسى أن يكون منهم.. وهذا يدل على حرصهم
وعلو همتهم رضي الله عنهم .. يبحثون عن الكنوز والأجور العظيمة..
ثم
يأتي من بعدهم التابعين .. وخُذي مقولة واحدة منهم لتعلمي مدى حرصهم..
يقول
أبو مسلم الخولاني: "أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يسبقونا؟ والله لننافسهم فيه".
إذن
هذه دعوة منه إلى العمل بجدّ للتسابق إلى جنة الفردوس ..
ويا
ليتنا نفقه مثل ما فقهوا ..
لأن
الدين يسر ومفاتح الخير كثيرة.. لكننا نحتاج معها إلى الإخلاص والإحتساب..
· يقول عليه الصلاة والسلام (أحب الناس
إلى الله أنفعهم للناس)
معنى
ذلك أن الناس يتفاوتون في محبة الله عز وجل لهم.. فكلما كثر نفع العبد لإخوانه
المسلمين كلما ازدادت محبة الله عز وجل له.. (وليس الشأن أن تُحِب ، ولكن الشأن كل
الشأن أن تُحَب).
ولهذا
لما قال عليه الصلاة والسلام في خيبر (لأعطين هذه الراية رجلاً يفتح الله على
يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها..)
كلٌّ يرجوه لنفسه.. واستحقه علي رضي الله عنه..
ومن ثمرات محبة الله للعبد:
اعلمي أخيتي أنه ليس هيناً أن يحبك الله تعالى
(إن الله تعالى إذا أحب عبداً نادى جبريل فقال يا جبريل إني أحب فلاناً فأحبه،
فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل
السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض)
ولعل هذا السر في أن بعض النساء تُفقد إذا
غابت، ويستبشر الناس بمقدمها.. لما وضع الله لها من القبول في قلوب خلقه ..( وذكرت
لي واحدة أن خادمتها جاءتها في إحدى الإجتماعات تسألها عن قريبة لها لم تحضر
الاجتماع.. فاستغربت سؤال الخادمة عنها.. ولما سألت قالت: -أنها كلما رأتني ابتسمت-)
ويقول عليه الصلاة والسلام (و الله لا يلقي
حبيبه في النار).. لذلك.. لما قالت اليهود والنصارى)وَقَالَتِ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ( , جاء الرد: )قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ(.. فلو كنتم أحبابه ما عذبكم .. لأن الحبيب
لا يعذب حبيبه..
وأعظم قدوة لنا في نفع الناس: حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم)هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ
رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ( هل تعلمين نفع أعظم من أن أخرجنا الله به من
الظلمات إلى النور؟
قال بعض العلماء: "كل حسنات المسلمين
وأعمالهم الصالحة في صحائف نبينا صلى الله عليه وسلم زيادة على ما له من الأجر مع
مضاعفة لا يحصيها إلا الله .. ألم يقل عليه الصلاة والسلام (من دعا إلى هدى كان
له من الأجور مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا)". هذا في
إيصاله عليه الصلاة والسلام للدين..
ويقول عنه ابن عباس: ( كان عليه الصلاة
والسلام أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان.... فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) -يعني في إيصاله للخير للناس-
روى الإمام أحمد عن أنس خادم الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (كانت الصلاة تقام فيكلم النبي
الرجل في حاجه تكون له فيقوم بينه وبين القبلة فما يزال قائماً يكلمه فربما رأيت
بعض القوم ينعس من طول قيام النبي صلى الله عليه وسلم له).
يقول ابن القيم رحمه الله: "وقد دل العقل والنقل والفطرة وتجارب
الأمم على اختلاف أجناسها ومللها ونحلها, على أن التقرب إلى رب العالمين والبر
والإحسان إلى خلقه من أعظم الأسباب الجالبة لكل خير وأن أضدادها من أكبر الأسباب
الجالبة لكل شر.. فما استجلبت نعم الله تعالى واستدفعت نقمة بمثل طاعته والإحسان
إلى خلقه".
وقال رحمه الله في وصف شيخ الإسلام ابن تيمة: "كان يسعى سعياً شديداً لقضاء حوائج
الناس".
وفي خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه: كان عمر رضي الله عنه يتفقد أبا بكر بعد صلاة
الفجر فكان يراه إذا صلى الفجر يخرج من المسجد إلى ضاحية من ضواحي المدينة فيتساءل
ما له يخرج؟ ثم تبعه مره من المرات فإذا هو دخل خيمة منزوية فلما خرج أبو بكر دخل
بعده عمر.. فإذا في الخيمة عجوزاً حسيرة كسيرة عمياء معها طفلان لها، فقال لها
عمر: يا أمة الله من أنت؟
قالت: أنا عجوز كسيرة عمياء في هذه الخيمة مات
أبونا ومعي بنات لا عائل لنا إلا الله عز وجل، قال عمر: ومن هذا الشيخ الذي يأتيكم
(وهي لم تعرفه)
قالت: هذا شيخ لا أعرفه يأتي كل يوم فيكنس
بيتنا ويصنع لنا فطورنا ويحلب لنا شياهنا..
فبكى عمر رضي الله عنه وقال.. (أتعبت الخلفاء
من بعدك يا أبا بكر ).
وهذا علي بن الحسين: كان يحمل الخبز إلى بيوت المساكين في الظلام
فلما مات فقدوا من يحمل لهم الخبز .. وعند غسله رأوا آثار الحبل الذي كان يحمل به
الخبز .. رأوا آثار على ظهره فعلموا أنه هو .
كانوا لا يرون لأنفسهم فضلاً على صاحب الحاجة
بل يرون الفضل لصاحب الحاجة الذي علقها بهم.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ثلاثة لا أكافئهم: رجل يبدأني بالسلام،
ورجل وسع لي في المجلس، ورجل اغبرت قدماه في المشي إلي يريد السلام علي، أما
الرابع فلا يكافئه عني إلا الله، قيل من هو؟ قال: رجل نزل به أمر فبات ليلته يفكر
فيمن ينزله، ثم رآني أهلاً لحاجته فأنزلها بي"
وعن أبي هريرة رضي الله عنه وهو يصف كرم أبو جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه
لإخوانه "كان خير الناس للمساكين فكان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى
إنه ليخرج إلينا العكة التي ليس فيها شيء فنشقها فنلعق ما فيها".
وأعرف شخص وقد توفي -رحمه الله- كان له حظوة عند
أحد المسؤولين،
يقول هذا المسؤول: "لا أذكر مرة أنه جاءني
طالباً حاجة لنفسه.. كل سعيه كان للناس".
إذن اطرقي جميع أبواب النفع ولا تحقري من
المعروف شيئاً...
النفع لا يقتصر على النفع المادي. وإنما يشمل
النفع بالعلم، النفع بالمشورة، النفع بالرأي، النفع بالجاه،
النفع بالسلطان.. إن كنتِ ممن استلمت إدارة
مكان معين فابذلي وسعك في نفع الناس وقضاء حوائجهم .. لأن المكان الذي أنت فيه
نعمة .. والنعمة إما أن تكون شاهدة لك أو شاهدة عليك..
أعطاكِ الله موهبة في الحاسب أو سرعة في
الطباعة انفعي غيرك.. قد تطبعين دعوة إلى محاضرة ينفع الله بها وتجدينها في ميزانك
يوم القيامة..
عندكِ سائق واحتاجت جارتك شيئاً من البقالة
ارسلي سائقك واحتسبيه نفعاً لها، واحساناً لجوارها، وقضاء لحاجتها وبذلك تكثرين من
النيات في العمل الواحد ..
أختك أو قريبتك عندها عزيمة ساعديها في
الإعداد، أرسلي لها خادمتك، خذي عنها أطفالها وقت العزيمة..
(تخبرني واحدة أن أحد قريباتها لم يكن لديها
فضل مال وكانت متوسطة الحال..
لكنها في أي مناسبة تدعى إليها ما تخرج حتى (تعاد
جميع الأواني إلى أماكنها) كناية عن مساعدتها لأهل البيت في ترتيب بيتهم بعد خروج
الضيوف).
أنتِ معلمة احتسبي الأجر في نفع من تعلمين
..حتى في إيصال المعلومة (أحد معلمي المرحلة
الابتدائية كان يخصص وقت راحته في الفسحة للطلاب الذين لديهم ضعف في القراءة
فيحضرهم إلى مكتبه ويبدأ بتدريسهم)..
والآن نحن يا أخوات في شهر الخير..
وهل تعلمين موسماً يستحق الإكثار فيه من نفع
الناس أكثر من شهر رمضان الذي تضاعف فيه الحسنات فابذلي جهدك أن لا يمر عليك يوم
إلا وقد زادك قربا من الله.. ونفعاً لخلقه .. وابدئي بالأقرب فالأقرب والديك ،
زوجك، أبناءك .. حتى لو تشرحين لابنك مسألة ما فهمها، أو ينقطع زر ثوب زوجك.
ثم بعد ذلك أرشد النبي صلى الله عليه وسلم السائل إلى أحب الأعمال إلى الله عز وجل -وافهمي
معي أختي معنى أحب الأعمال إلى الله يعني إن عملتيها وقدمتيها فأنت تقدمين لله
تعالى عملاً يحبه سبحانه فهنيئاً ثم هنيئاً ثم هنيئاً لمن رزقت معها الإخلاص
والاحتساب-
·
يقول عليه الصلاة والسلام (وأحب الأعمال إلى
الله سرور تدخله على مسلم)
وإدخال السرور على المسلمين بابه واسع جداً..
وكان عليه الصلاة والسلام يسلك طرقاً كثيرة لإدخال السرور على المسلمين..
من
ذلك (الهدية)
وقد
جيء إليه عليه الصلاة والسلام بثوب له أعلام -يعني فيه خطوط وأعلام- فقال عليه
الصلاة والسلام (أين أم خالد) وهي طفلة صغيرة ولدت في الحبشة.
قال: أين أم خالد؟ (وكانوا يكنون الصغار بكنى)
فجيء بالصبية إليه عليه الصلاة والسلام .. فجعل يلبسها الثوب بيده وهي تنظر إلى
أعلامه، وإلى الثوب فرحة مستبشرة مسرورة، ثم لما لف عليها الثوب جعل عليه الصلاة
والسلام يشير إلى أعلام الثوب .. يعني الخطوط الملونة فيه ويقول: (هذا سنا يا أم
خالد.. هذا سنا يا أم خالد) وسنا بلغة الحبشة يعني (جميل).
مر بعض السلف بأطفال يلعبون فمضى واشترى جوزاً
(نوع من الحلوى التي يفرح بها الأطفال) فجعل يوزعها على الأطفال ثم مضى .. فقيل
له: لماذا فعلت ذلك؟ قال: اكسب أجراً ويفرحون بمال يسير.
(وبعض النساء اليوم ما تزور بيت إلا والحلويات
في حقيبتها حتى أنها تكون معروفة عند الأطفال يتراكضون إليها لعلمهم بما تحمله
لهم)
سئل بعض الصحابة: ما بقي من لذاتك في الدنيا؟
قال: "إدخال السرور على الإخوان".
ومن إدخال السرور على المسلمين: نقل
الأخبار السارّة لهم وتبشيرهم بها.
(عندما تقولين لواحدة –أبشركِ- فاحتسبي أنكِ
تسعدينها وتدخلين السرور إليها)
وفي قصة الثلاثة الذين خلّفوا:
عندما نزل القرآن بتوبة الله تعالى عليهم أسرع أحد الصحابة وصدره يمتلئ فرحاً
وسروراً لهم حتى أنه لم ينتظر حتى يصل إليهم بل بدأ يناديهم من بعيد –من على
الجبل- بأعلى صوته : يا كعب بن مالك أبشِـر.
يقول كعب: فخررت ساجداً وعلمت أنه قد
جاء فرج.. فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلّى صلاة الفجر.. فذهب الناس يبشروننا,
فذهب قبل صاحبي مبشرون (وركب رجل على فرس والآخر ركض ونادى من أعلى الجبل) -وتأملي
حرصهم الشديد على نقل الأخبار السارّة-.
فكان الصوت أسرع من الفرس, فلما
جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوته إياه ببشراه والله ما أملك
غيرهما يومئذ, فاستعرت ثوبين فلبستهما وانطلقت أتأمل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقاني
الناس فوجاً فوجاً يهنئوني بالتوبة, ثم قال كعب: -وتأملي خير البشر صلى الله عليه وسلم كيف يُبشّر
جامعاً بين القول وبين ملامح وتعبيرات الوجه حتى يدخل السرور على من يبشّره-
قال كعب:
فلمّا سلّمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يبرق وجهه من السرور: (أبشر بخير يوم مرّ
عليك مذ ولدتك أمك).
ومن أحقّ
الناس بأن تدخلي السرور على قلبه أكثر من والديكِ؟
لأن بعض
النساء متخصّصة بإدخال الحزن على قلب والدتها ماتحدث مشكلة صغيرة ولا كبيرة إلا
وترفع سماعة الهاتف تحدّث والدتها بها, والعجيب أنها لو خرجت مع زوجها وأبنائها في
رحلة واستمتعوا بوقتهم لم تخبر والدتها بذلك من باب أنها لا ترى لإخبارها أهمية!
فأين إدخال
السرور على قلبها وأنت تعلمين أنها ستسرّ لو أخبرتيها.
أيضاً:
الإبتسامة, وسيلة سهلة جداً لإدخال السرور على غيركِ وإشعارهم بمعزتهم
ومكانتهم عندك.
عندما أسلم
عمرو بن العاص رضي الله عنه كان إذا لقي النبي صلى الله عليه وسلم رأى
البشاشة والبشر في وجهه وكان صلى الله عليه وسلم كلما لقيه تبسّم في وجهه.. حتى ظنّ رضي الله
عنه أنه أحبّ الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأراد أن يقطع الشك باليقين فأقبل يوماً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجلس إليه وقال: يا رسول الله أي الناس أحب إليك ؟
قال صلى الله عليه وسلم: عائشة, قال عمرو: لا.. من الرجال يا رسول الله؟ لست أسألك عن
أهلك
فقال صلى الله عليه وسلم: أبوها ...
والآن..
ونحن مقبلون على العيد بإذن الله –أسأل الله أن يبلغنا وإياكم- لا تنسي الخدم من
إدخال السرور عليهم, ومثل ماتفرحين وتفرح بناتك في اللبس الجديد.. أيضاً الخادمة
تفرح باللباس وتفرح بالحلوى وتفرح بالهدية... واحتسبيها صدقة عند الله تعالى.
نكمل
الحديث:
· يقول صلى الله عليه وسلم: (أو تكشف عنه كربة)
يعني من
أحبّ الأعمال إلى الله أن تكشفي كرب أخوانك
المسلمين.
يقول صلى الله عليه وسلم: (من فرّج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرّج الله عنه كربة من
كرب يوم القيامة)
وش هي كرب
الدنيا بالنسبة لكرب يوم القيامة؟
تدنوا
الشمس من الخلائق قدر ميل..هذه كربة, البعض يلجم بعرقه إلجاماً..هذه كربة
تقفين على
الصراط أدق من الشعرة أحد من السيف وكلاليب تتخطف الناس, ونار سوداء وظلمة من تحته
ماتسمعين إلا أصوات صراخ والناس يتساقطون وحبيبنا صلى الله عليه وسلم واقف آخر الصراط يدعو لكِ... اللهمّ سلّم سلّم , وش أشد من هذه
الكربة؟ الصحف تتطاير وأنتِ واقفة لا تعلمين أنت تاخذين صحيفتك بيمينك أو تأخذينها
بشمالك.
(من
نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)
تعرفين أخت
لكِ في ضائقة؟ ليس أقلّ من رسالة تكتبينها تصفين فيها حالها وترسلينها للقائمة
عندك, ربما يفتح الله على يديك وتفرّج كربتها.
شاب ابتلي
بالعطالة وتيسّر لكِ إيجاد عمل له ولأولاده.. فأنتِ فككتِ كربته.
ويقول بعض
العلماء: "لا أشد من كربة الجهل"
فاحرصي بما
عندك من العلم أن تكشفي كرب من حولك, خصوصاً البعض لـمّا تقولين لها هذا العمل
بدعة, تقول : كل عمرنا وحنا نسويه أول
مرة أدري )إِنَّا
وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ(
ترين أخطاء
ومخالفات في الفرائض, في الصلاة في المساجد أو في الحرم, في الوضوء.. في دورات
المياه العامة.
العاملة
عندك في البيت بعض العاملات تعيش سعادة عظيمة أنها جاءت لبلاد الحرمين وتعيش بين
المسلمين.. لكن يكون لديها بعض المخالفات عن جهل وقد تكون مخالفات في العقيدة
فاكشفي كربتها وارفعي عنها جهلها. واخلصي علّ الله أن يكشف عنكِ كرب يوم القيامة.
تذكر واحدة
أن لها خادمة خصصت لها في اليوم ساعة يتدارسون فيها كتاب الله.. ذهبت الخادمة إلى
بلدها وأصبحت داعية وافتتحت حلقات تحفيظ هناك.
· يقول صلى الله عليه وسلم : (أو تقضي عنه ديناً)
جاء في ذكر
مستحقي الزكاة في القرآن (الغارمين): وهم الذين عليهم من الديون أكثر مما عندهم من
المال, والديون تزيد وليس عنده مايوفيها, فهذا من الغارمين الذين يجب على أصحاب
الأموال أن يتصدقوا عليه لقضاء دينه وفك كربته.
·
ثم قال بعد ذلك صلى الله عليه وسلم: (أو تطرد عنه جوعاً)
قال تعالى
في وصف الأبرار سكّان الجنة: )وَيُطْعِمُونَ
الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا
نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا(
وقال تعالى في وصف أهل النار: )مَا
سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ
نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ(
جاء في الحديث القدسي: يقول الله
تعالى يوم القيامة: (يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، فيقول: يا رب وكيف أطعمك
وأنت رب العالمين؟ فيقول عز وجل : استطعمك عبدي فلان، فلم تطعمه؟ أما علمت أنك لو
أطعمته لوجدت ذلك عندي).
و طرد الجوع أنتِ تقومين به يومياً
فلا تحرمي نفسكِ الإحتساب أما يجلسون عيالك وأهلك على السفرة صائمين ينتظرون
الطعام وأنتِ اللي طبختِ طعامهم.
إذن أنتِ تطردين عنهم الجوع.. تقضين
حاجاتهم.. تنفعينهم.. تدخلين السرور عليهم.. تفطّرين صوّام.
الطفل الصغير لمّا يبكي يريد أن
يرضع: الآن جاء وقت عمل يحبه الله تعالى (أن تطردي عنه جوعه).
ومن أحب الأعمال ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم
بعد ذلك في قوله:
·
(ولأن
أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد –يعني مسجد
المدينة- شهراً)
الإعتكاف بما فيه من حبس النفس على
الطاعة والتخلص من الدنيا والمداومة على العبادة، امشي مع أخواتك في حاجتهم واسعي
في خدمتهم.. لك مثل ذلك الأجر
يقول صلى الله عليه وسلم: (من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته)... إذن الجزاء من جنس العمل
اسعي في قضاء حاجة غيرك.. يقضي حاجتك
الله سبحانه, وما ظنّك بحاجة يقضيها مالك الملك الذي بيده خزائن السماوات ولأرض؟
عن أنس رضي الله عنه قال: (كنا
مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر، فمنا الصائم ومنا المفطر، قال: فنزلنا منزلا في يوم
حار، أكثرنا ظلا صاحب الكساء، ومنا من يتقي الشمس بيده، قال: فسقط الصوام، وقام
المفطرون، فضربوا الأبنية وسقوا الركاب، فقال رسول اللهe:
«ذهب المفطرون اليوم بالأجر» )
لأنهم
كانوا في خدمة إخوانهم المسلمين وقضاء حوائجهم.
وكان كثير
من الصالحين إذا خرج في سفر مع أصحابه يشترط عليهم أن يخدمهم, قال بعضهم: "صحبت
ابن عمر في سفر أريد أن أخدمه فخدمني".
·
ثم يقول صلى الله عليه وسلم: (ومن كفّ غضبه ستر الله عورته, ومن كظم
غيظاً ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله صدره رضا يوم القيامة)
لماذا.. من
كفّ غضبه ستر الله عورته؟
لأن
الإنسان إذا غضب تظهر عليه تصرفات من الحماقة والجهل ماكانت تظهر منه في وقت رضاه,
لذلك يقولون: (اتق شر الحليم إذا غضب) لأنه حتى من اتصف بالحلم قد تظهر منه تصرفات
هو نفسه لا يرضاها.. ولو أنه كفّ غضبه.. لستر الله هذه العورات والتصرفات,
ثم سبحانه
إن ستر على عبد في الدنيا فلن يفضحه بين الخلائق في الآخرة.
يقول
الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"الغيظ:
هو الغضب الشديد والإنسان الغاضب هو الذي يتصور نفسه أنه قادر على أن ينفذ.. لأن
من لايستطيع لا يغصب.. ولكنه يحزن, ولهذا يوصف الله تعالى بالغضب ولا يوصف بالحزن
سبحانه".
قال
العلماء: في معنى قوله صلى الله عليه وسلم (لاتغصب): يعني "لا تعمل بمقتضى
غضبك" ... لأن الإنسان إذا غضب صار غضبه هو آمره وناهيه.
ثم إن
كظمتِ غيظاً ولو شئتِ أن تمضينه أمضيتيه: يعني تستطيعين ولن يجادلك أحد.
غضبتِ على
الخادمة.. أحرقت بلوزة تكويها تستطيعين أن تغضبي وتهاوشي والبعض ممكن يخصم من
راتبها ثمن البلوزة, لكنكِ كظمتِ ذلك.. يرضيك الله يوم القيامة
طفلك أخطأ
تستطيعين أن تمضي غضبك ولو ضربتيه لن يقول لك أحد لماذا؟
ثم كظمتِ
غيظكِ.. يرضيك الله يوم القيامة. لا, وانظري إلى التعبير (ملأ الله قلبه رضا
يوم القيامة)..
ثم بعد ذلك
يعطيك الرسول صلى الله عليه وسلم عمل يسير له أجر عظيم لكن له شرط:
· (ومن مشى مع
أخيه في حاجة حتى يثبتها.. ثبّت الله قدمه يوم تزل الأقدام)
أي ثبّت
الله قدمه على الصراط.
· ثم قال عليه الصلاة والسلام: (وإن سوء
الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل)
وقد دلت على ذلك أحاديث كثيرة منها:
قوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوماً: (أتدرون
من المفلس؟ قالوا المفلس فينا من لادرهم له ولادينار, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المفلس من أمتي من
يأتي يوم القيامة بصلاة وصدقة ونسك ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا, وأكل مال هذا,
وضرب هذا, وسفك دم هذا, فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته, فإن فنيت حسناته قبل
أن يقضي ماعليه أخذ من سيئات المظلومين فطرحت عليه ثم طرح في النار)
وفي الحديث عن أبي هريره رضي الله
عنه:
أن رجلا قال: (يا رسول الله إن
فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها, ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها فقال صلى الله عليه وسلم
(هي في النار) قال يا رسول الله إن فلانه يذكر من قلة صلاتها وصيامها وصدقتها,
ولكنها لا تؤذي جيرانها بلسانها, فقال صلى الله عليه وسلم
(هي في الجنة).
(إن المؤمن ليدرك بحسن
خلقه درجة الصائم القائم) وإن العبد المؤمن
ليحبط عمله بسوء خلقه.
فالله الله عباد الله!
إياكم وسوء الخلق, فإن الغاية من
الأعمال الصالحة تتميم مكارم الأخلاق
قال تعالى: )إِنَّ
الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ(
وقال تعالى: )خُذْ
مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا(.
اللهم
اهدنا لأحسن الأخلاق فإنه لا يهدي لأحسنها إلا أنت, واصرف عنا سيئها فإنه لا يصرف
عنا سيئها إلا أنت
اللهم
آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها
ربنا
آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشداً
ربنا
هب لنا من أزواجنا و ذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً
ربنا
لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب
ربنا
آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.