معاني الأذكار

لتحميل المحاضرة pdf اضغطي هنا





بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..

يقول جل من قائل ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾

أحبتي:

جعل الله للروح ما تسمو به وترتقي وتسعد وتلتذ.. إنه ذكر الله .. الدواء من كل داء، والنعمة العظمى والمنحة الكبرى.. به تستدفع النقم وتستجلب النعم وتنال الدرجات. إذا فارق القلوب صارت الأجساد قبوراً.. وهو السبب الواصل بين المؤمنين وعلام الغيوب يدع القلب ضاحكاً مسرورا.. ويوصل الذاكر إلى المذكور فيجعله ذاكراً مذكوراً.. ويرفع درجته فيكون مشكوراً ومأجوراً..

 وليس العجيب من ضعيف يذكر قوياً، ولا محتاج يذكر محسناً،

ولكن العجب من القوي إذا ذكر الضعيف، والغني العزيز إذا ذكر الفقير الذليل، فما أكرمه سبحانه!

يقول أبو بكر رضي الله عنه: "ذهب الذاكرون بالأجر كله"

وقال معاذ: "ما شيء أنجى من عذاب الله من ذكر الله" وقال كعب: "من أكثر ذكر الله برئ من النفاق"

وقال ابن القيم: "ربما يأتي العبد يوم القيامة بسيئات أمثال الجبال .. فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله تعالى".

وشكى رجل إلى الحسن البصري قسوة قلبه فقال: "أدبه بذكر الله".

يقول عليه الصلاة والسلام: (ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم، قالوا بلى، قال: ذكر الله تعالى)



  إذن .. من أفضل المجاهد أم الذاكر؟

إذا كان المجاهد يجاهد ويذكر الله فهو القمة، وإذا كان الذاكر يذكر الله بقلبه ولسانه أي كان مستحضراً للذكر في قلبه ولسانه.. والتواطؤ حصل بين القلب واللسان، فهو أفضل من المجاهد بلا ذكر .. وبهذا يزول الإشكال في بيان فضل المجاهد وفضل الذاكر وأفضلية الجهاد بالنسبة إلى ذكر اللسان المجرد،

أما إذا كان الذكر كاملاً فاجتمع فيه ذكر اللسان والقلب واستحضار المعنى واستحضار عظمة الله هذا أفضل من قتال الكفار.

ولهذا.. ذكر اللسان هو ثمرة ذكر القلب .. فمن عظم ربه في قلبه هلل وسبح وكبر وحمد..

  هل يشترط في الذكر أن يحرك الذاكر لسانه؟

مادامت الأذكار أقوالاً فإن القول لا يكون قولاَ إلا إذا تحرك اللسان والشفتان وجرى النفس.

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "القراءة لابد أن تكون باللسان فإذا قرأ الإنسان بقلبه في الصلاة فإن ذلك لا يجزئه... وكذلك سائر الأذكار لا تجزئ بالقلب، بل لا بد أن يحرك بها لسانه وشفتيه لأنها أقوال لا تتحقق ألا بتحريك اللسان والشفتين".

  مسألة أخرى.. قد يعلق بالمفضول ما يجعله أولى من الفاضل.. كيف؟

لو ورد سؤال .. أذّن المؤذن وأنا أقرأ .. فهل أقطع القراءة لأردد خلف المؤذن أم أستمر بالقراءة؟

أقطع وأردد لأن الذكر المقيد في هذه الحالة أفضل لأن رب العالمين سبحانه ونبيه صلى الله عليه وسلم قد شرعا لنا ذلك.. أيضاً لو دخلت طالبة وأنا أقرأ .. أنهي الآية وأرد السلام ثم أعود للقراءة..

نأتي الآن إلى أذكار الصباح والمساء وشرح لبعض معانيها، حتى يجتمع عندنا ذكر القلب واستشعار المعنى مع ذكر اللسان، ونتلذذ بالذكر أكثر لعلمنا بمعناه..

لكن بداية نريد بيان وقت أذكار الصباح والمساء .. هل لها وقت محدد؟

على العبد أن يحرص على الإتيان بأذكار الصباح من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فإن فاته فلا بأس أن يأتي به إلى نهاية وقت الضحى وهو قبل الظهر بقليل.. أما أذكار المساء ما بين العصر إلى المغرب فإن فاته فلا بأس أن يذكره إلى ثلث الليل.

ومن أعظم الأذكار .. ورأسها .. وأفضلها .. سيد الاستغفار (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك (أمتك) وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أبوء لك بنعمتك علي .. أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)

جمع بالإقرار لله بالعبودية والوحدانية (لا إله إلا أنت)، و الأفعال (خلقتني) وأقر بأنه عبد (وأنا عبدك) وأخذ على نفسه العهد بطاعته.. وقيّد ذلك باستطاعته .. وأقر بنعمته.. وأعترف له بالذنب .. وجاء الطلب (فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).

من قالها من النهار موقناً بها (موقناً) وهي القضية جريان القلب مع المعاني واللسان مع الأذكار .. فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة.. ومن قالها من الليل موقناً بها قبل أن يصبح فمات من ليلته فهو من أهل الجنة..

قد يقول قائل: هذه سهله .. لكن من سيقولها موقناً بها؟ لأننا درجنا على أشياء وصارت عباداتنا عادات في كثير من الأوقات.. وهنا الصعوبة والمجاهدة والسر وراء عظم الأجر في الموضوع..

لنتأمل: (سؤال العافية) وما معناها والتأكيد عليها في أذكار الصباح والمساء، ولم يكن المصطفى عليه الصلاة والسلام يدع هذه الدعوات حين يصبح وحين يمسي.

( اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة . اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي . اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي. اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي)

(مصيبة الدين هي رأس المصائب)

العافية: السلامة من الأسقام والبلايا والآفات.. وإذا حصلت للإنسان في الدين والدنيا اكتملت النعمة عليه .. فنحن نسأل الله العافية قبل البلاء، والصبر إذا ابتلينا.

والجمع بين العفو والعافية جميل جداً، فالعفو محو الذنوب، والعافية: السلامة من الآفات،

وتأملي الشمولية في قوله صلى الله عليه وسلم ديني ودنياي:

الدين: قد يكون فيه بلاء مثل ترك واجب وتهاون وارتكاب محرم.. ولأن معيشتنا في الدنيا مهمة فهي ليست منسية،

ودنياي: للسلامة من النكبات والآفات والمنغصات والاضطرابات النفسية .

وأهلي: من الناس من يبتلى بأهله في خُلُق.. وخَلق .. وبدن .. وعقل فلا تريَّنِّي فيهما ما يسوؤني..

وقد دعا الأنبياء بذلك وكانوا أشد الناس فيما قدر الله عليهم، والدعاء إذا ما منع البلاء يخففه.. وإذا ما خففه فرضاً.. يجلب لك الصبر عليه.. ويجعله نعمة حقك.. لأن فيه ناس لا عافية ولا صبر.. نسأل الله السلامة، وهذه قمة المصائب..

وقوله صلى الله عليه وسلم عوراتي: فيه عورات معنوية وعورات حسية..

العورة: عورة جسد قد تنكشف.. قد تنكشف بالفقر.. أو بتعذيب أو تربص وإيذاء.. وقد تنكشف بأسباب أخرى.. ممكن تصعد امرأة إلى السيارة فتنكشف .. ولذلك هذا الدعاء فيه تلافي هذه المسألة..

عورات معنوية: أن يظهر عيب عملك، أو يظهر عوار دراستك في الاختبار هذه أمثلة على العورات المعنوية..

آمن روعاتي: الروعات: الفزعات، وناس يفزعهم الليل، اللص، الديون، هواتف الليل، الشياطين، الدواب .. ولهذا قال (عوراتي وروعاتي) لأن العورات والروعات كثيرة...

اللهم احفظني من بين يدي: حوادث سيارة من الأمام أو من الخلف أو يقع في حفرة (تحت) أو تقع عليه مصيبة من فوقه..

هذا الدعاء يقيك بإذن الله من الأشياء غير المحسوبة..

وأعوذ بعظمتك .. الاغتيال .. ما الفرق بينه وبين القتل العادي؟

الإغتيال: هو القتل مع خديعة، وأن يقتل من موضع أو في موضع لا يراه أحد .. ووكيع من الرواة قال: الخسف، الزلزال ، ...الخ

من الأذكار: ( اللهم عافني في بدني، اللهم عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري لا إله إلا أنت) 3 مرات صباحاً ومساءً.

في بدني: من سائر الآفات المانعة من القوة والتي تؤثر سلباً في الحواس.. ليس هذا فقط .. وكذلك عافني بأن لا يقع من بدني شيء من المعصية أرتكبه بهذه الجوارح.

في سمعي: سلمه وأبعده عن الآفات.. فلا يسمع إلا ما يرضيك ..

في بصري: سوء الرؤية وضعف البصر، عدم مشاهدة آيات الله ، النظر إلى الحرام ..

الحوقلة: (لا حول ولا قوة إلا بالله).. اشتهر على ألسنة الناس ختمها بالعلي العظيم.. وثبت في صحيح مسلم ختمها بــ العزيز الحكيم..

وهي لكل تحول من حال إلى حال في العالم العلوي والسفلي والقوة على هذا التحول ولا يكون ذلك إلا بالله وحده. ولها تأثير عجيب في طرد الشيطان.



ومن الدعوات العظيمة النافعة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يلازم المحافظة عليها كل صباح, بعد صلاة الصبح حين يسلّم: (اللهم إني أسألك علماً نافعاً، و رزقاً طيباً، وعملاً متقبلاً)

ومن يتأمل هذا الدعاء العظيم يجد الإتيان به في هذا الوقت بعد صلاة الصبح في غاية المناسبة، لأن الصبح هو بداية اليوم ومفتتحه والمسلم ليس له مطمع في يومه إلا تحصيل هذه الأهداف (العلم النافع، والرزق الطيب، والعمل المتقبل) وكأنه في افتتاحه ليومه يذكر هذه الأمور الثلاثة دون غيرها يحدد أهدافه، ومقاصده في يومه، ولا ريب أن هذا أجمع لقلب الإنسان وأضبط لسيره ومسلكه، بخلاف من يصبح دون أن يستشعر أهدافه وغاياته، ومقاصده التي يعزم على القيام بها في يومه..

ونحن نجد المعتنين بالتربية والآداب يوصون بتجديد الأهداف في كل عمل يقوم به الإنسان ليكون ذلك أدعى لتحقيق أهدافه، وأسلم من التشتت والإرتباك و أضبط له في مساره وعمله..

والمسلم ليس له في يومه بأجمعه.. بل في أيامه كلها إلا الطمع في تحصيل هذه الأهداف الثلاثة وتكميلها..

وتأملي كيف بدأ النبي صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء بسؤال الله العلم النافع قبل سؤاله الرزق الطيّب والعمل المتقبل؛ لأن العلم النافع به يستطيع المرء أن يميز بين العمل الصالح وغير الصالح ويستطيع أن يميّز بين الرزق الطيب وغير الطيّب..

فاستشعري ذلك رحمكِ الله.






نختم بعدد من المسائل المهمّة:

  مسألة: (الذاكرين الله كثيراً والذاكرات) أثنى الله عليهم في كتابه العزيز فمتى يكون الإنسان منهم؟

يقول ابن عباس: "يذكرون الله تعالى في أدبار الصلوات وغدوًا وعشيًا وفي المضاجع وكلما غدا أو راح من منزله ذكر الله تعالى".

وسُئل ابن الصلاح عن القدر الذي يصير به الرجل من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات؟

فقال: "إذا واظب على الأذكار المأثورة المثبتة صباحاً ومساءً والأوقات المختلفة ليلاً ونهاراً كان من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات".

  مسألة: هناك أذكار وأدعية يأتي بها الداعي من عند نفسه أو تكون مأثورة عن بعض السلف.. فما حكمها؟

لابأس بها بشروط:  1/ أن يختار من الألفاظ أحسنها وأجملها أبينها للمعاني لأنه يناجي ربه عز وجل.

2/ أن تكون خالية من المحاذير الشرعية كدعاء غير الله، وتكون خالية من السجع المتكلّف.

3/أن لايتخذها سنة راتبة يواظب عليها حتى لا تضاهي الأذكار الشرعية الثابتة في الكتاب والسنة. مثلًا(سبحان مالك الملك).

  مسألة: ينبغي حفظ الأذكار التي جاءت عن رسول الله e بنصّها قدر الوسع.

ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للبراء كما في الصحيح: ما تقول إذا أويت إلى فراشك؟ قال: الله و رسوله أعلم, فقال النبيصلى الله عليه وسلم  : (إذا أويت إلى فراشك طاهراً فقل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت)، قال البراء فقلت كما قال إلا أنني قلت: (وبرسولك الذي أرسلت) قال: فوضع يده على صدري ثم قال: (ونبيك الذي أرسلت)

"ولذلك ينبغي أن تحفظ الأذكار على وجهها وهذا الأولى لمن أراد متابعة الدليل"

  مسألة: (التقيّد بالعدد المنصوص عليه).

-ماجاء به النص مطلقاً من غير عدد؛ فيذكره الإنسان من غير حساب، وكلما كان أكثر فثوابه أكثر، لكن يكره المبالغة في ذكر الله إلى حد يعطّل الكلام المباح كما يفعله المترهبة، فالسنّة هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا حدّ للأذكار المطلقة لايشرع تجاوزه.

وبعضهم قال: أنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة:

وهذا سهو، جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمدة مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه)... "فدلّ على أنه يشرع الزيادة".

-وما دلّ النص على قوله بعدد معيّن فلا يشرع تجاوزه، كالذكر أدبار الصلوات فالاستغفار ثلاثاً دبرها أفضل من الإستغفار مائة "لموافقة الثلاث للسنّة".

وإذا انشغل الإنسان عن استيفاء العدد المستحب كالذكر ثلاثاً وثلاثين دبر الصلاة فلا يتمكن إلا من ذكر بعضه أو تركه كله: فيستحب ذكر ما أطاق فيه، ويسقط الباقي بالعجز والشغل، ولا يدعه كله.

 مسألة: (عقد التسبيح بغير اليدين)

و أما عقد التسبيح بغير اليدين، كالمسابح والخرز وغيرها فلا حرج فيه على الصحيح وما عُلم أحداً من السلف أو من الأئمة المعتبرين من المتقدمين من قال ببدعيتها، والأفضل أن يكون بالأصابع.

كما ورد من حديث يُسيرة وكانت من المهاجرات قالت:

قال لنا رسول الله e: (عليكن بالتسبيح والتهليل والتقديس، واعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات مستنطقات).









اللهمَّ اجعلنا لك ذاكرين.. لك شاكرين.. لك تائبين..

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

سبحانك اللهم وبحمك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.[1]








[1] المراجع:

-        معاني الأذكار/للشيخ: محمد المنجد -حفظه الله-

-        أذكار الصباح والمساء/ للشيخ: عبدالعزيزالطريفي -حفظه الله-