فضل شهر الله المحرم
بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن مسعود –رضي الله عنه-:
"نعم المجالس المجلس الذي تنشر فيه
الحكمة وترجى فيه الرحمة هي مجالس
الذكر".
وفي مجالس الذكر تنزل الرحمة، وتغشى السكينة، وتحف الملائكة، ويذكر
الله أهلها فيمن عنده، وهم
قوم لا يشقى بهم جليسهم، فربما رحم معهم من جلس إليهم وإن كان مذنبًا،
وربما بكى فيهم باك
من خشية الله فوهب أهل المجلس كلهم له.
وهي رياض الجنة قال النبي e: (إذا مررتم برياض
الجنة فارتعوا" قالوا: وما رياض الجنة؟ قال:
"مجالس الذكر")
"بذكر الله ترتاح القلوب .. ودنيانا بذكراه تطيب".
فإذا انقضى مجلس الذكر فأهله بعد ذلك على أقسام:
·
فمنهم من يرجع إلى هواه
فلا يتعلق بشيء مما سمعه في مجلس الذكر ولا يزداد هدى ، ولا يرتدع
عن ردى وهؤلاء أشر الأقسام ويكون ما سمعوه حجة عليهم فتزداد به
عقوبتهم وهؤلاء الظالمين لأنفسهم: )أُولَئِكَ الَّذِينَ طبَعَ
اللهُ عَلَى قُلُوهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هم الْغَافِلُونَ(.
ومنهم من ينتفع بما سمعه وهم على أقسام:
·
فمنهم من يرده ما سمعه عن
المحرمات ويوجب له التزام الواجبات "وهؤلاء المقتصدون أصحاب
اليمين"
·
ومنهم من يرتقي عن ذلك إلى
التشمير في نوافل
الطاعات، والتورع عن دقائق المكروهات، ويشتاق إلى إتباع آثار من سلف من السادات
"وهؤلاء السابقون المقربون".
v
فضائل شهر محرم:
وقد سمى النبي e المحرم: (شهر الله) وإضافته
إلى الله تدل على "شرفه وفضله" فإن الله تعالى لايضيف إليه إلا خواص
مخلوقاته كما نسب محمدا وإبرهيم وإسحاق ويعقوب وغيرهم من الأنبياء إلى عبوديته
ونسب إليه بيته وناقته.
ذهب بعض العلماء إلى أن المحرم أفضل الأشهر الحرم،
قال الحسن البصري-رحمه
الله-: " أفضل الأشهر الحرم شهر الله المحرم"
قال ابن رجب –رحمه الله- : "ولما كان هذا الشهر
مختصًا بإضافته إلى الله تعالى كان الصيام من بين الأعمال
مضافاً إلى الله تعالى، فإنه له من بين الأعمال ناسب أن يختص هذا
الشهر المضاف إلى الله بالعمل
المضاف إليه المختص به وهو الصيام"
الصيام: سر بين العبد وبين ربه ولهذا يقول الله تبارك وتعالى (كل عمل
ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به إنه ترك شهواته وطعامه وشرابه من
أجلي)
وفي الجنة باب يقال له الريان لا يدخل منه إلا الصائمون، فإذا
دخلوا أغلق فلم يدخل منه غيرهم
وهو جنة للعبد من النار كجنة أحدكم من القتال.
وفي الحديث (من صام يومًا في سبيل الله جعل بينه وبين النار
خندقاً كما بين السماء والأرض)
فكيف بمن جعلت بينها وبين النار 24 خندقاً في زمن يحب الله عزوجل
منّا أن نستكثر من صيامه!
فالله أكبر ، ربّ شكور ، واسع الكرم !
v
للعلماء في صيام الشهر قولان:
ا/ قول محمول على ظاهر الحديث وهو (صيامه كاملاً )،
وقال بهذا القول (الشيخ: صالح الفوزان والشيخ: محمد الشنقيطي).. وقال:
"أما مايفعله بعض المتأخرين من الإنكار على من يصوم الشهر كاملاً فهذا أمر باطل لأن النبي e - رغب في صيامه كاملاً ، فمن صامه كاملاً لا
يُنكر عليه"
2/ القول الثاني (صيام أكثره)
لحديث عائشة –رضي الله عنها-: (مارأيت رسول الله e استكمل شهر قط إلا رمضان) وكذلك : (لئن بقيت إلى قابل لأصومنّ
التاسع" دليل أنه كان لا يصوم التاسع.. (ابن عثيمين ، وذكره الشيخ محمد
المنجد)
v
ينفرد هذا الشهر بيوم عظيم مميز في تاريخ البشرية:
وهو (يوم عاشوراء) اليوم العاشر من شهر محرم،
في الصحيحين عن ابن عباس –رضي الله عنهما- أنه سئل عن يوم عاشوراء
فقال: (ما رأيت رسول الله e
صام يوماً يتحرى فضله على الأيام إلا هذا اليوم - يعني يوم عاشوراء- ، وهذا
الشهر- يعني رمضان-)
احتسب المصطفى e على ربه أن يكفر السنة
التي قبله، واحتسابه e حق.
يوم عاشوراء له فضيلة عظيمة وحرمة قديمة وصومه لفضله كان معروفًا بين الأنبياء عليهم السلام وقد صامه نوح وموسى عليهما السلام.
v
أحوال النبي e
في صيام يوم عاشوراء:
كان للنبي e في صيامه أربع حالات:
الحالة الأولى: أنه كان يصومه بمكة ولا
يأمر الناس بالصوم ، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت:
(كان عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية وكان النبي e يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه)
الحالة الثانية: أن النبي e لما قدم المدينة ورأى صيام أهل الكتاب له
وتعظيمهم له وكان يحب موافقتهم فيما لم يؤمر به: صامه وأمر الناس بصيامه وأكد
الأمر بصيامه والحث عليه حتى كانوا يصومونه
أطفالهم..
عن الربيع بنت معوذ قالت: (أرسل رسول الله e غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة:
"من كان أصبح صائمًا فليتم صومه ومن كان أصبح مفطرًا فليتم بقية يومه) فكنا بعد ذلك نصومه ونصوم
صبياننا الصغار منهم ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه
إياها حتى يكون عند الإفطار.
ويؤخذ منه :
- استحباب حث الصبية على صومه
- الاستعجال في الطاعات وعدم تأخيرها لـ 3هـ
-أن الأمر كان للوجوب
الحالة الثالثة: أنه لما فرض صيام شهر
رمضان ترك النبيe أمر الصحابة بصيام عاشوراء وتأكيده فيه،
فلما فرض رمضان قال رسول اللهe : (إن عاشوراء يوم من
أيام الله فمن شاء صامه ومن شاء تركه) وأكثر العلماء على
استحباب صيامه من غير تأكيد.
الحالة الرابعة: أن النبي e عزم في آخر عمره على أن لا يصومه مفردًا بل يضم
إليه يومًا آخر مخالفة لأهل الكتاب في صيامه ، قال رسول الله e: (فإذا كان العام المقبل إن شاء الله
صمنا اليوم
التاسع) قال:
فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول اللهe .
v
أفضل المراتب في صيامه :
أولاً: (9،10،11)
، ليحصل فضل
صيام 3 أيام من كل شهر، ويتيقن من اشتبه عليه أول الشهر من
أنه قد أصابه ، أما حديث (صوموا قبله يومًا وبعده يومًا)
ضعيف .
ثانياً: (9،10)
التوجيه النبي إلى ذلك قبل وفاته .
ثالثاً: (10، 11 ) من
باب مخالفة اليهود.
رابعاً: إفراد
العاشر بالصوم.
فإن قال قائل: صمت عرفة وكفرت سنتان فما الحاجة لعاشوراء ؟
ا/ هل أنت متأكد أنه قد قبل منك فلا تغتر!
2/ إن صادف لك ما يكفره وإلا فينقلب إلى رفعه في الدرجات.
v
ماذا ينوى بصيامه ؟
ا/ الفضل الوارد في الحديث (تكفير عام)
2/شكر الله على إهلاك الظلمة )فقطع دابر القوم الذين
ظلموا والحمد لله رب العالمين(
3/ تعظيم الله عزوجل ، بتعظيم شعائره وتعظيم يوم عاشوراء يكون
بصيامه
4/ اتباع السنة.
ومن منعه العذر من صيام يوم عاشوراء كالمريض والحائز والمرضع، وكان
من عادته صيامه كل عام، فله الأجر بنيّته
ففي الحديث )إذا مرض العبد أو سافر،
كتب له مثل ماكان يعمل مقيماً صحيحاً)
أحدث الناس في يوم عاشوراء كثير من البدع، وهذا ليس من دين الله في
شيء ، وكل ماروي في "فضل الإكتحال في يوم عاشوراء والإختضاب والإغتسال فيه"
فموضوع لا يصح.
والتوسعة فيه على العيال "من وسع على أهله يوم عاشوراء أوسع
الله عليه سائر السنة" فإنه لا يصح إسناده .
فلم يرد في شأن هذا اليوم إلا الصوم فقط.
ختاماً:
يوم عاشوراء يوم عظيم من أيام الله، نجى الله موسى وقومه، وغرق
فرعون وقومه، ولذا صامه موسى عليه السلام شكرًا لله تعالى على هذه النعمة ،
وصامه رسول الله e وأمر بصيامه استحباباً متابعة لنبي الله
موسى عليه السلام باب "مقابلة النعم بالشكر في أوقات تجددها".
وفيه دروس عظيمة وفيها درس قد يخفى على الكثير، وهو غاية في
الروعة، فنحن نصوم هذا اليوم لأن الله نجى موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه،
فنعيش هذه الفرحة التي حصلت لموسى -عليه السلام- لأن المؤمنين فرحهم واحد،
وهذا يعطي درس عظيم أن المؤمنين يشعرون بالولاء للمؤمنين، من أي أمة كانت، في أي زمان كان،، نشعر
بالفرحة كالجسد الواحد.
لذلك لا تظن أنك ستتم إيمانك وإسلامك إذا كنت تعيش لوحدك !
الحمدلله أصلي وأصوم وليحصل للمسلمين مايحصل !
بل المفترض متى أصيب إخوانك تشعر بالمصيبة في نفسك، فلا تظن أنك
تتم إسلامك وانت لا تبال بحال إخوانك!
تسأل عنهم وتفرح لهم وتدعمهم وتدعو لهم وهذا من سلامة قلب المؤمن
(يسلم قلبه الله إخلاصًا وللمؤمنين صدقا وحباً)
ويوم عاشوراء كما قلنا يوم الشكر وطلب الفرج والنصر من الله، قيل
فيه لموسى )إنا لمدركون(
فكان الجواب )كلا إن معي ربي سيهدين(.
والحمدلله الذي هدانا لصومه، فلتحرصي على صيامه فقد لا تدركيه في
العام المقبل فها هو النبي e ينوي صيامه ويُقبض قبله.
والله الله بالدعاء الصادق لأمة الإسلام لعل الله يمنّ علينا
بالنصر والنجاة من غزو العدو للأوطان
والأفكار والدين! )ألا إن نصر الله قريب(.
وصلى
الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
[1] المراجع
:
-
لطائف المعارف لابن رجب.
-
33 فائدة في المحرم وعاشوراء للشيخ محمد المنجد.
-
مادة مسموعة للشيخ محمد الخضيري.